وكان عصر المأمون من أزهى عصور العلم في الدولة العباسية، حتى وصف بأنه (عصر الإسلام الذهبي) (١).
ونهج المعتصم (٢١٨ - ٢٢٧) نهج أخيه في حمل الناس على القول بخلق القرآن تنفيذاً لوصية أخيه المأمون له بذلك عند موته (٢). ولم تُعدم بغداد كيانها العلمي في أيامه الأولى، حتى انتقل إلى سامراء (سنة (٢٢١) هـ) بسبب الإضطربات الداخلية (٣). ومن ثم بدأت الحركة العلمية نحو الانحدار، وبالتالي فقدت نشاطها أيام الواثق (٢٢٧ - (٢٣٢) هـ) وران عليها الركود، وعلى ذلك انتهى العصر العباسي الأول (٤).
هذا عرض سريع للحركة العلمية الشريعة الخطا التي عايشها ابن سعد في عنفوان قوتها. وشارك في القيام بنهضتها منذ أن بدأت تخطو خطاها الواسعة المديدة.
٤ - الحركة العلمية في المدينة المنوّرة:
لا شك أن المدينة المنورة هي الأم التي أنجبت تلك المراكز الإسلامية الثلاثة -البصرة، الكوفة، بغداد- بل مراكز العالم الإسلامي كله. حيث إليها هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ مدرسته العظمى التي ربى فيها أصحابه رضوان الله عليهم، ومنها زحفت الجيوش الإسلامية لإعلاء كلمة الله، فهي مركز الإشعاع الذي انبثق منه نور الإسلام إلى البلدان المختلفة.
ومنها خرج ابن عباس إلى البصرة وابن مسعود إلى الكوفة، وغيرهم إلى الأمصار المختلفة لتعيلم الناس أمور دينهم. فأخذوا عنهم القراءات والتفسير والحديث، والفقه.
(١) ألّف علي محمد راضي كتاباً بهذا العنوان"عصر الإسلام الذهبي المأمون العباسي". طبع في مصر بالدار القومية للطباعة.
(٢) انظر: تاريخ الطبري ٩/ ٦٤٨.
(٣) انظر: التاريخ الإسلامي العام ٤٠٨ وما بعدها.
(٤) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي ٣٤٠. والتاريخ الإسلامي العام ٤١٦ - ٤١٨.