وفيها قراءة ثالثة (١): روى عماد بن محمد عن الكلبى عن أبي صالح «ربُّنا» بالرّفع على الابتداء «باعدَ بين أسفارنا» على الخبر ف «باعد» فعل ماض على هذه القراءة.
حدّثنى بذلك أحمد عن على عن أبى عبيد قال: فإن/قيل لك: باعد خبر، وباعد دعاء، فلم جاز فى آية من كتاب الله عزّ وجلّ أن يقرأ بالشئ وضدّه؟
فالجواب فى ذلك: أنّهم سألوا ربّهم أن يباعد بين أسفارهم فلما فعل الله ذلك بهم أخبروا فقالوا: ربّنا باعد بين أسفارنا فأنزل الله ذلك فى العرضتين فاعرف ذلك. وله فى القرآن نظائر.
١٤ - وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} ٢٠.
قرأ أهل الكوفة: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ} بالتّشديد {إِبْلِيسُ} بالرّفع {ظَنَّهُ} مفعول، وذلك أن إبليس-لعنه الله-قال ظنيّا لا مستيقنا «ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام» (٢) {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} فلمّا تبعه من قد سبق شقاؤه عند الله صدّق ظنّه، قال ابن عباس: ظنّ ظنّا فصدق ظنّه.
وقرأ الباقون: «ولقد صَدَق» مخففا و {ظَنَّهُ} نصبا أيضا؛ لأنه يقال: صدّقت زيدا وصدقته وكذّبته وكذبته وينشد (٣):
فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه
(١) معانى القرآن للفراء: ٢/ ٣٥٩، المحتسب: ٢/ ١٨٩، وتفسير القرطبى: ١٤/ ١٩١، والبحر المحيط: ٧/ ٢٧٢، ٢٧٣، والنشر: ٢/ ٣٥٠.
(٢) سورة النّساء: آية: ١١٩.
(٣) هو الأعشى ديوانه: (الصبح المنير): ٢٣٨.