والحجة لمن أمال الهمزة والراء قبلها فإنه أتبع بعض الحروف بعضا بالإمالة، وكسر الياء بواجب الإمالة، وكسر الهمزة لمجاورة الياء، وكسر الراء لمجاورة الهمزة كما في قوله:
أَمَّنْ لا يَهِدِّي «١» لكسر الهاء والياء معا. فأما قوله: رَأَى الْقَمَرَ «٢» وما شاكله مما تستقبله ألف ولام، فالوجه فيه التفخيم، والإمالة مطروحة، لأنها إنما استعملت من أجل الياء، فلما سقطت الياء لفظا لالتقاء الساكنين سقط ما استعمل من أجل لفظها إلّا ما روي عن بعضهم أنه كسر الرّاء وفتح الهمزة ليدل على أن أصل الكلمة ممال، وهذا ضعيف.
والوجه ما بدأنا به.
قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ «٣». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
أن الأصل فيه: أتحاجونني بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية مع الياء اسم المفعول به فأسكن الأولى وأدغمها في الثانية فالتشديد لذلك كما قرأت القراء قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي «٤» بتشديد النون. والحجة لمن خفف: أنه لما اجتمعت نونان تنوب إحداهما عن لفظ الأخرى خفف الكلمة بإسقاط إحداهما كراهية لاجتماعهما كما قال الشاعر «٥».
رأته كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
أراد: فلينني فحذف إحدى النونين ومثله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ «٦» بنون واحدة (يذكر في موضعه).
(١) يونس: ٣٥
(٢) الأنعام: ٧٧
(٣) الأنعام: ٨٠
(٤) الزّمر: ٦٤.
(٥) الشاعر هو عمرو بن معدي كرب وقد استشهد الفراء بهذا البيت في قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (الحجر: ٥٤) فقال: «وقد كسر أهل المدينة، يريدون أن يجعلوا النون مفعولا بها، وكأنهم شددوا النون فقالوا: فم تبشرون، قال: ثم خففوها، والنية على تثقيلها كقول عمرو بن معدي كرب ... ثم ذكر البيت (المعاني ٢: ٩٠) وقال البغدادي في الخزانة: إنه من شواهد سيبويه على أنه قد جاء حذف نون الوقاية مع نون الضمير للضرورة، والأصل إذا فلينني بنونين. والثغام نبت يكون في الجبل أبيض إذا يبس يقال له بالفارسية (درمنة)، الفاليات جمع فالية اسم فاعل من الفلي بفتح الفاء وسكون اللام، وهو إخراج القمل من الشعر والثياب. يعلّ: يطيب، لأنهن يكرهن الشيب. (الخزانة ٢: ٤٤٥). وانظر أيضا (فرائد القلائد للعيني ٤١، وشرح المفصل لابن يعيش ٣: ٩١ والكتاب لسيبويه ٢: ٢٥٤).
(٦) الحجر: ٥٤