أثبتهما: أنه من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت. وعليها جاء قوله: رَبِّ ارْجِعُونِ «١» والحجة لمن حذفها: أنه من إخبار النبي عليه السلام عن الله، والفاعل مستتر في الفعل، وإذ في أول الكلام متعلقة بفعل، دليله قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ «٢» وإنما وعظهم الله تعالى بما امتحن به من كان قبلهم وذكرهم نعمه عليهم، وحذّرهم من حلول النّقم عند مخالفته.
قوله تعالى: جَعَلَهُ دَكًّا «٣». يقرأ بالقصر والتنوين، وبالمدّ وترك التنوين، هاهنا وفي الكهف «٤». فالحجة لمن قصر ونوّن: أنه جعله مصدرا كقوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا «٥». وهذا اللفظ لا يثنى ولا يجمع، لأنه مصدر والمصدر اسم للفعل. فلما كان الفعل لا يثنّى ولا يجمع كان الأصل بتلك المثابة. والحجة لمن مدّ ولم ينوّن: أنه صفة قامت مقام الموصوف. وأصله: أرضا ملساء من قول العرب: ناقة دكّاء أي: لا سنام لها.
فهذا يثني ويجمع ولم ينوّن، لأنه وزن لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، لاجتماع علامة التأنيث، والوصف فيه.
فإن قيل فقوله: دُكَّتِ الْأَرْضُ خرّج لفظ المصدر فيه على فعله، وليس هاهنا لفظ لفعل يخرّج المصدر عليه، فقل إنّ المصدر هاهنا يخرّج على المعنى، لا على اللفظ، لأنه يريد بقوله تعالى: جعله: دكّه، وذلك معروف عند العرب. قال ذو الرّمّة: «٦»
والودق يستنّ عن أعلى طريقته ... جول الجمان جرى في سلكه الثّقب
«٧» فنصب جول الجمان، لأنه أراد بقوله يستن: يجول قوله تعالى: بِرِسالاتِي «٨». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أن الله تعالى إنما أرسله مرة واحدة بكلام
كثير. والحجة لمن جمع: أنه طابق بين اللفظين لتكون
(١) المؤمنون: ٩٩
(٢) الأنفال: ٢٦
(٣) الأعراف: ١٤٣
(٤) الكهف: ٩٨
(٥) الفجر: ٢١
(٦) ذو الرمة: انظر: ١٢٥.
(٧) الودق: المطر الشديد، يستن: أي يجري، الجمان: خرز يتخذ من الفضة، الثقب: الخيط الذي ينظم فيه.
يقول: قطر المطر ينحدر عن ظهر الثور، كأنه جمان، ينحدر من سلكه (شرح ديوان ذي الرمة ورقة: ١٠).
(٨) الأعراف: ١٤٤