جوابا للأمر، لأن معنى الشرط موجود فيه، يريد: فإن تهب لي وليّا يرثني. والحجة لمن رفع: أنه جعل قوله: يرثني صلة «١» لوليّ، لأنه نكرة، عاد الجواب عليها بالذكر، ودليله قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ «٢». ولو قيل: إنه إنما جاز الرفع في قوله:
(يرثني) وما أشبهه، لأنه حال، حلّ محلّ اسم الفاعل لكان وجها بيّنا. ودليله قوله تعالى:
ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «٣» يريد: (لاعبين) وفيه بعض الضعف، لأن الأول حال من (وليّ) وهو نكرة، وهذا حال من الهاء والميم، وهما معرفة.
قوله تعالى: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «٤». يقرأ بالرفع والجزم عطفا على ما تقدّم من الوجهين في أول الكلام.
قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «٥». يقرأ بالكسر والضم، وما شاكله من قوله صِلِيًّا «٦» وجِثِيًّا «٧» وبُكِيًّا «٨». فالحجة لمن قرأ بالكسر: أنه نحا ذلك لمجاورة الياء، وجذبها ما قبلها إلى الكسر، ليكون اللفظ به من وجه واحد؛ لأنه يثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسر. والحجة لمن ضم: أن الأصل عنده في هذه الأسماء الضمّ، لأنها في الأصل على وزن: (فعول) فانقلبت الواو فيهن ياء لسكونها وكون الياء بعدها فصارتا ياء مشددة.
فإن قيل: فهلا كانت هذه الأسماء بالواو، «٩» كما كان قوله وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً «١٠» بالواو، فقل: الأصل في الواحد من هذا الجمع (عاتو وجاثو) لأنه من (يعتو) و (يجثو)، فانقلبت فيه الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: (غاز) والأصل (غازو)، لأنه من يغزو، فجاء الجمع في ذلك تاليا للواحد في بنائه، لأن الجمع أثقل من الواحد،
(١) يريد بالصلة: الصفة، وهذا التعبير شائع عند قدامى النحاة.
(٢) المائدة: ١١٤.
(٣) الأنعام: ٩١.
(٤) مريم: ٦.
(٥) مريم: ٨.
(٦) مريم: ٧٠.
(٧) مريم: ٦٨، ٧٢.
(٨) مريم: ٥٨.
(٩) أي: صلّوا، وجثّوا، وبكّوا.
(١٠) الفرقان: ٢١.