لأنه هو كان المخاطب لها، والنافخ بأمر الله في حيّها «١».
قوله تعالى: وَكُنْتُ نَسْياً «٢». يقرأ بفتح النون وكسرها. فالحجة لمن فتح أنه أراد المصدر من قولك «نسيت». والحجة لمن كسر: أنه أراد: كنت شيئا ألقي فنسي، والعرب تقول: هذا الشيء لقى «٣» ونسي «٤»، ومنه قول الشاعر يصف امرأة بالحياء والخفر، وغضّ الطرف:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... إذا ما غدت وإن تحدّثك تبلت
«٥» يريد: كأنها تطلب شيئا ألقته لتعرف خبره. ومعنى تبلت: تقصّ وتصدق.
قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها «٦». يقرأ بفتح الميم والتاء، وبكسرهما. فالحجة لمن فتح: أنه جعله اسم عيسى وفتح التاء، لأنه ظرف مكانيّ متضمن لجثة (من)، ومن مستقرّ فيه، والاستقرار كون له، والكون مشتمل على الفعل فانتصب الظرف لأنه مفعول فيه بما قدّمناه من القول في معناه. والحجة لمن كسر الميم والتاء: أنه جعلها حرفا خافضا للظرف، لأنه اسم للموضوع. والظرف في الحقيقة: الوعاء، فلذلك جعل المكان ظرفا، لأن الفعل يقع فيه فيحويه. والمراد بالنداء: جبريل، فأمّا مواقع (من) في الكلام، فتقع ابتداء غاية، وتقع تبعيضا، وتقع زائدة مؤكّدة.
قوله تعالى: تُساقِطْ «٧» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد:
تتساقط فأسكن التاء الثانية، وأدغمها في السين فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه
(١) قال في اللسان: والحيّ فرج المرأة، ورأى أعرابي جهاز عروس فقال: هذا سقف الحيّ: أي جهاز فرج المرأة.
اللسان: مادة: حيا.
(٢) مريم: ٢٣.
(٣) قال في اللسان: اللّقى: الشيء الملقى، وفي حديث أبي ذرّ ما لي أراك لقى بقى، هكذا جاء محققا في رواية بوزن عصا انظر: (اللسان: مادة لقا).
(٤) قال الزجاج: النّسي في كلام العرب: الشيء المطروح، لا يؤبه له. (اللسان مادة: نسا).
(٥) البيت نسبه اللسان إلى الشّنفري على هذه الصورة:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تخاطبك تبلت
انظر: اللسان: مادة: نسا.
ورواية الطبري تتفق مع رواية ابن خالويه، انظر: (الطبري ١٦: ٦٦) مطبعة مصطفى الحلبي- طبعة ثانية.
(٦) مريم: ٢٤.
(٧) مريم: ٢٥.