دليل على دقة تمييز أبي عمرو ولطافة حذقه بالعربية.
قوله تعالى: بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «١» إجماع القراء على التاء إلا ما رواه (عياش) «٢» عن أبي عمرو بالياء، ولم يروه (اليزيدي) «٣».
ومن سورة السجدة
قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ «٤». يقرأ بإسكان اللام وفتحها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد: الذي جعل عباده يحسنون خلق كل شيء. ويحتمل أن يكون أراد:
المصدر فكأنه قال: الذي أحسن كل شيء خلقا وابتداء. والحجة لمن فتح: أنه أراد:
الفعل الماضي، والهاء المتصلة به في موضع نصب، لأنها كناية عن مفعول به. ومعناه:
أنه أحسن خلق كل شيء خلقه، فكوّنه على إرادته، ومشيئته، فله في كل شيء صنعة حسنة تدل بآثارها على وحدانيّته وحكمته. ودليل ذلك قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها «٥» وعليها الحسن والقبيح.
قوله تعالى: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا يقرأ بالاستفهام والإخبار. وقد تقدم ذكره «٦».
قوله تعالى: ما أُخْفِيَ لَهُمْ «٧»: أجمع القرّاء على فتح الياء إلا حمزة فإنه أسكنها.
فالحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا ماضيا لما لم يسم فاعله وألفه ألف قطع «٨». والحجة لحمزة أنه جعله إخبارا عن المتكلّم، فأسكن الياء علامة للرفع «٩».
(١) لقمان: ٢٩.
(٢) عيّاش بن محمد، أبو الفضل، الجوهري، البغدادي، روى عنه القراءة عبد الواحد بن عمر ومحمد بن يونس المطرز، ومحمد بن عيسى بن بندار وابن شنبوذ مات سنة تسع وتسعين ومائتين. انظر: (غاية النهاية في طبقات القراء: ١: ٦٠٧).
(٣) أبو محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوى المقرئ النحوي اللغوي صاحب أبي عمرو بن العلاء البصري. كان عالما باللغات وتوفي بخراسان سنة ١٠٢ هـ. انظر: (الكني والألقاب ٣: ٢٥٤، والبغية: ٤١٤. مطبعة السعادة).
(٤) السجدة: ٧.
(٥) الكهف: ٧.
(٦) انظر: ١٦١.
(٧) السجدة: ١٧.
(٨) وفي هذه الحالة تكون «ما» استفهاما وموضعها رفع بالابتداء، «وأخفي لهم» خبره على قراءة من فتح الياء، انظر: (العكبري ٢: ١٩٠)
(٩) وفي هذه الحالة تكون «ما» في موضع نصب بأخفى، (المراجع السابق والصفحة).