وقال من يردّ ذلك: العرب لا تزيد (لا) في أول الكلام، ولكنها هاهنا ردّ لقول من أنكر البعث، وكفر بالتنزيل، فقيل له: (لا) ليس كما تقول: أقسم بيوم القيامة.
والحجة لمن قصر: أنه جعلها لام التأكيد، دخلت على «أقسم». والاختيار لجاعلها لام التأكيد، أن يدخل عليها النون الشديدة كقوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً «١». واحتجّ أن الله عزّ وجلّ أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة.
قوله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ «٢». إجماع القراء على كسر الراء إلا (نافعا) فإنه فتحها. فالحجة لمن كسر: أن الكسر لا يكون إلّا في التحيّر. وأنشد:
لما أتاني ابن صبيح طالبا ... أعطيته عيساء منها فبرق
«٣» أي تحيّر. فأما الفتح فلا يكون إلا الضّياء وظهوره كقولهم: برق الصبح والبرق إذا لمعا وأضاءا. وقال أهل اللغة: برق، وبرق، فهما بمعنى واحد، وهو: تحيّر الناظر عند الموت،. والعرب تقول: «لكل داخل برقة»: أي دهشة وحيرة.
قوله تعالى: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ «٤» يقرءان بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالياء: أنه ردّهما على معنى قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ «٥» لأنه بمعنى: الناس. والحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه أراد،: قل لهم يا محمد: بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة.
قوله تعالى: مَنْ راقٍ «٦» أجمع القراء على قراءتها بالوصل، والإدغام إلّا ما رواه (حفص) عن «عاصم» بقطعها، وسكتة عليها، ثم يبتدئ: «راق». ومعنى راق:
فاعل من الرقية. وقيل من: الرقيّ بالروح إلى السماء. وكان أبو بكر بن مجاهد «٧» رضي الله عنه يقرأ بهذه السورة في صلاة الصبح، فيتعمّد الوقف على الياء من قوله: «التراقي» ويبين الياء.
(١) النّمل: ٢١.
(٢) القيامة: ٧.
(٣) في الطبري: «راعيا» مكان «طالبا» وقد ضبط المحقق الكلمة الأخيرة من البيت «فبرق» بفتح الرّاء.
(٤) القيامة ٢٠، ٢١.
(٥) القيامة: ١٣.
(٦) القيامة: ٢٧.
(٧) أحمد بن موسى بن العباس. انظر: (غاية النهاية ١ - ١٤٢).