واللفظ، فرأيت كلّا منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفه «١» مذهبا من مذاهب العربية لا يدفع، وقصد من القياس وجها لا يمنع، فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار «٢». وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم، معتمد فيه على ذكر القراءة المشهورة، ومنكب «٣» عن الروايات الشاذة المنكورة، وقاصد قصد الإبانة في اقتصار، من غير إطالة ولا إكثار، محتذيا لمن تقدّم في مقالهم، مترجما عن ألفاظهم واعتلالهم، جامعا ذلك بلفظ بيّن جذل، ومقال واضح سهل؛ ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده، والله الموفق للسّداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وهو حسي وإليه معاد.
ذكر اختلافهم في فاتحة الكتاب
قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «٤». يقرأ بإثبات الألف، وطرحها. فالحجة لمن أثبتها:
أن الملك داخل تحت المالك. والدّليل له: قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «٥».
والحجة لمن طرحها: أن الملك أخص من المالك وأمدح؛ لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا.
قوله تعالى: الصِّراطَ. تقرأ بالصاد والسّين وإشمام «٦» الزّاي. فالحجة لمن قرأ بالسّين:
أنه جاء به على أصل الكلمة. والحجة لمن قرأ بالصّاد: أنه أبدلها من السّين لتؤاخي السّين في الهمس «٧» والصّفير «٨»، وتؤاخي الطاء في الإطباق «٩»، لأن السين مهموسة والطاء مجهورة،
(١) كل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا (اللسان: حرف).
(٢) الآثار: الأخبار، والمراد بها روايات القراءات.
(٣) منكب: يقال: نكّب، ونكب، وننكّب عن الشيء وعن الطريق: عدل (اللسان).
(٤) آية: ٤
(٥) آل عمران: ٢٦.
(٦) الإشمام: المراد بالإشمام هنا: خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان، فيتولد منهما حرف ليس بصاد، ولا زاي. (شرح ابن القاصح على الشاطبية: ٣٤).
(٧) الهمس: لغة: إخفاء الصوت، واصطلاحا: جري النفس مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج. وحروفه عشرة، يجمعها لفظ: (فحثه شخص سكت).
(٨) الصّفير: لغة صوت تصوّت به الطيور، واصطلاحا: صوت يخرج بقوة مع الريح من بين طرف اللسان والثنايا.
وحروفه: السين- الصاد- الزاي.
(٩) الإطباق: لغة: الإلصاق، واصطلاحا: تلاقى طائفتي اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحروفه أربعة