فإن قيل: فيلزم من أمال «النار» أن يميل «الجار» فقل: لما كثر دور «النار» في القرآن أمالوها، ولما قلّ دور «الجار» في القرآن أبقوه على أصله.
قوله تعالى: غِشاوَةٌ وَلَهُمْ «١». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه استأنف الكلام مبتدئا، ونوى به التقديم، وبالخبر التأخير، فكأنه قال: وغشاوة على أبصارهم.
والحجة لمن نصب: أنه أضمر مع الواو فعلا عطفه على قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ «٢» وجعل على أبصارهم غشاوة، وإضمار الفعل إذا كان عليه دليل كثير مستعمل في كلام العرب، ومنه قول الشاعر «٣»:
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلّدا سيفا ورمحا
يريد: وحاملا رمحا.
قوله تعالى: مَنْ يَقُولُ «٤». يقرأ مدغما بغنة «٥» وبغير غنّة، لأن النون والتنوين يدغمان عند ستة أحرف، يجمعها قولك: «يرملون» ويظهران عند ستة أحرف، وهن: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. ويخفيان عند سائر الحروف. فالنون الساكنة والتنوين يدغمان في اللام والراء بغير غنّة، وفي الواو كذلك في قراءة (حمزة) «٦».
ويدغمان في الميم والنون بغنّة لا غير. فالحجة لمن أدغم في اللام والراء والياء والواو بغير غنة: أن اللام والراء حرفان شديدان، والغنة من الأنف فبعدت منهما، والياء والواو رخوتان «٧»، فجرتا مع النون والتنوين في غنة، الخياشيم «٨».
واتفقوا على إدغام النون والتنوين عند الميم بغنة لا غير، لمشاركة الميم لهما في الخروج
(١) البقرة: ٧.
(٢) البقرة: ٧.
(٣) عبد الله بن الزبعرى: انظر: (معاني القرآن للفرّاء ١: ١٢١،: ٤٧٣).
(٤) البقرة: ٨.
(٥) تطلق على الصوت الخارج من الخيشوم، سواء قام بالنون والميم، أو قام بنفسه. (رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه ورقة: ٣٠).
(٦) انظر: ٦١.
(٧) الرخاوة في اللغة: اللين، وفي الاصطلاح: جري الصوت لضعف الاعتماد على المخرج مع نفس قليل. (رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه ورقة: ٢٤).
(٨) الخياشيم: غراضيف في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ، أو عروق في بطن الأنف (القاموس).