قوله تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ «١» يقرأ بالإفراد والجمع إذا كانت فيه الألف واللام في اثني عشر موضعا «٢». فالحجّة لمن أفرد: أنه جعلها عذابا، واستدل بقول النبيّ صلى الله عليه: «اللهم اجعلها رياحا لا ريحا» «٣». والحجّة لمن جمع: أنه فرّق بين رياح الرحمة، ورياح العذاب، فجعل ما أفرده للعذاب، وما جعله للرحمة.
والأرواح أربعة «٤» أسّست أسماؤها على الكعبة. فما استقبلها منها، فهي الصّبا والقبول.
وما جاء عن يمينها، فهي الجنوب. وما جاء عن شمالها، فهي الشّمال «٥». وما جاء من مؤخرها فهي الدّبور، وهي ريح العذاب، نعوذ بالله منها. وباقيها ريح الرحمة.
قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «٦». يقرأ بالتاء والياء. فالحجّة لمن قرأ بالتاء:
أنه أراد: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ عاينوا العذاب لرحمتهم. والحجة لمن قرأ بالياء:
أنه جعل الفعل لهم. ومعناه: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله. ولو ابتدأت إن مع «٧» التاء بالكسر لكان وجها: كقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ «٨» أي لو عاينتهم في هذا الحال لرحمتهم. وترفع الملائكة، وتحذف جواب لو كقوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «٩» يريد: لكان هذا، فحذفه.
قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ «١٠» يقرأ بضم الطاء وإسكانها. فالحجة لمن ضمّ: أنه أتى بلفظ الجمع على حقيقة ما وجب له، لأنه جمع: خطوة ودليله قوله وَهُمْ
(١) البقرة: ١٦٤
(٢) انظر: هذه المواضع في (شرح ابن القاصح على الشاطبية: ١٦٣،: ١٦٤).
(٣) في (الفائق في غريب الحديث) للزمخشري: كان صلى الله عليه وسلم يقول: إذا هاجت الريح «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا». انظر (الفائق في غريب الحديث ١: ٥١١).
(٤) قال العكبري: وياء الريح مبدلة من واو لأنه من: راح يروح وروحته، والجمع: أرواح. أما الرياح، فالياء فيه مبدلة من واو، لأنه جمع أوله مكسور، وبعد حرف العلة فيه ألف زائدة، والواحد عينه ساكنة فهو مثل: سوط وسياط إلا أنّ واو الريح قلبت ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، انظر: (إعراب القرآن ج ١: ٧٢).
(٥) فيها خمس لغات: شمل بالتسكين، وشمل بفتحتين، وشمال، وشمأل، مقلوب منه، وربما جاء: شمألّ بتشديد اللام. وجمع الشمال: شمالات وشمائل.
(٦) البقرة: ١٦٥.
(٧) في قوله تعالى في الآية نفسها: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.
(٨) الأنفال: ٥٠.
(٩) الرعد: ٣١.
(١٠) البقرة: ١٦٨ وفي الأصل «لا تَتَّبِعُوا» من غير واو.