وأوساطا وقصارا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، فهذه سورة الكوثر آيات، وهى معجزة إعجاز سورة البقرة، ثم ظهرت لذلك حكمة فى التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه، قال الزركشى فى البرهان:
فإن قلت: فهلا كانت الكتب السالفة كذلك؟ قلت: لوجهين، أحدهما أنها لم تكن معجزات من جهة النظم والترتيب، والآخر: أنها لم تيسر للحفظ.
لكن ذكر الزمخشرى ما يخالفه، فقال فى الكشاف: الفائدة فى تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة، وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور، وما أوحاه إلى أنبيائه مسورة وبوّب المصنفون فى كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها الجنس إذا انطوت تحته أنواع، وأصناف كان أحسن وأفخم من أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب، ثم أخذ فى آخر كان أنشط له، وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومثله المسافر إذا قطع ميلا أو فرسخا نفس ذلك منه، ونشط للسير ومن ثم جزئ القرآن أجزاء وأخماسا، ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها، فيعظم عنده ما حفظه. ومنه حديث أنس: كان الرجل إذا قرأ «البقرة» و «آل عمران» جد فينا.
ومن ثم كانت القراء فى الصلاة بسورة أفضل ومنها أن التفصيل بسبب تلاحق الأشكال والنظائر وملائمة بعضها لبعض وبذلك تتلاحظ المعانى والنظم إلى غير ذلك من الفوائد، انتهى.
وما ذكره الزمخشرى من تسوير سائر الكتب هو الصحيح أو الصواب، فقد أخرج ابن أبى حاتم عن قتادة، قال: كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود، وذكروا أن فى الأنجيل سورة تسمى سورة الأمثال.
***
فى عدد الآى
أفرده جماعة من القراء بالتصنيف، قال الجعبرى: حد الآية قرآن مركب من جمل، ولو تقديرا له مبدأ ومقطع مندرج فى سورة، وأصلها العلامة، ومنه أن آية ملكة لأنها علامة للفضل والصدق والجماعة؛ لأنها جماعة كلمة.
وقال غيره: الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها.
وقيل هى الواحدة من المعدودات فى السور سميت به لأنها علامة على صدق من أتى بها، وعلى عجز المتحدى بها، وقيل: لأنها علامة على انقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعه مما بعدها.
قال الواحدى: وبعض أصحابنا، قال: يجوز على هذا القول تسمية أقل من الآية آية، لولا أن التوقيف ورد بما هى عليه الآن.