ولأجل ذلك لم تندب العرب المبهم ولا النكرة لاحتقارها، وإنما تندب بأشهر أسماء المندوب؛ ليكون ذلك عذرا لها فى اختلاطها وتفجعها. ويؤكده أيضا قوله تعالى:
{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، فجرى قوله سبحانه:
«وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله رسل» مجرى قولك لصاحبك: اخدم كما خدمنا غيرك من قبلك ولا تبعة عليك بعد ذلك، فهذا إذا موضع إسماح له، فلا بد إذا من إلانة ذكره. وعليه جاء قوله تعالى: {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ} فأضاف سبحانه من عذرهم، وأعلم أن لا متعلق عليه بشئ من أمرهم، فلهذا حسن تنكير «رسل» هاهنا، والله أعلم.
وأما من قرأ: «قد خلت من قبله الرسل» فوجه تعريفهم ومعناه أنكم قد عرفتم حال من قبله من الرسل فى أنهم لم يطالبوا بأفعال من خالفهم، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم.
فلما كان موضع تنبيه لهم كان الأليق به أن يومئ إلى أمر معروف عندهم.
***
{وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ} (١٤٥) ومن ذلك قراءة الأعمش، فيما رواه القطعى عن أبى زيد عن المفضّل عن الأعمش:
«ومن يرد ثواب الدنيا يوته منها ومن يرد ثواب الآخرة يوته منها وسنجزى الشاكرين». بالياء فيهما.
قال أبو الفتح: وجهه على إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه، أى يوته الله، يدل على ذلك قراءة الجماعة: {نُؤْتِهِ مِنْها}، بالنون.
وحديث إضمار الفاعل للدلالة عليه واسع فاش عنهم، منه حكاية الكتاب أنهم يقولون: إذا كان غدا فأتنى، أى إذا كان ما نحن عليه من البلاء فى غد فأتنى، ومثله حكايته أيضا: من كذب كان شرا له، أى كان الكذب شرا له. وعليه قول الآخر: