فحذف ياءها الثانية وقد كانت الأولى المدغمة فيها ساكنة، فأقرها على سكونها تلفتا إلى الياء المحذوفة الثانية؛ لأنها فى حكم الثبات كما صحح الآخر الواو فى العواور؛ لأنه إنما يريد العواوير، فلما حذف الياء وهى عنده فى حكم الثبات أقر الواو على صحتها دلالة على أنه يريد الياء.
ومثله أيضا ما جاء عنهم من تخفيف ياء لا سيّما، وذلك أن السّىّ فعل من سوّيت، وأصله سوى فقلبت الواو ياء لسكونها مكسورا ما قبلها، أو لوقوع الياء بعدها، أو لهما جميعا. فلما حذفت الياء التى هى لام وانفتحت الياء بالقاء فتحة اللام عليها كان يجب أن ترجع واوا لأنها عين أو تصح كما صحت فى عوض وحول، وأن تقول: لا سوما زيد. لكنه أقرها على قلبها دلالة على أنه يريد سكونها ووقوع الياء بعدها. وإن شئت لأنها الآن قد وقعت طرفا فضعفت. فهذا كله ونظائر له كثيرة ألغينا ذكرها لئلا يمتد الكتاب باقتصاصها تشهد بأن يكون قولهم: لا أكلمك حيرى دهر إنما أسكنت ياؤه لإراده التثقيل فى حيرىّ دهر، غير أن الجماعة تلقته على ظاهره.
وشواهد سكون هذه الياء فى موضع النصب فاش فى الشعر، فإذا كثر هذه الكثرة وتقبّله أبو العباس ذلك التقبل ساغ حمل تلك القراءة عليه.
يؤكد ذلك أيضا أنك لو رمت قطعه ورفعه على ابتداء، أى هو ثانى اثنين، لتقطّع الكلام، وفارقه مألوف السديد من النظام، وإنما المعنى إلا تنصروه فقد نصره الله ثانى اثنين إذ هما فى الغار. وقوله: {إِذْ هُما فِي الْغارِ} بدل من قوله جل وعز: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
فإن قلت: فإن وقت إخراج الذين كفروا له قبل حصوله صلى الله عليه وسلم فى الغار، فكيف يبدل منه وليس هو هو، ولا هو أيضا بعضه، ولا هو أيضا من بدل الاشتمال، ومعاذ الله أن يكون من بدل الغلط؟ قيل: إذا تقارب الزمانان وضع أحدهما موضع صاحبه، ألا تراك تقول: شكرتك إذ أحسنت إلىّ، وإنما كان الشكر سببا عن الإحسان، فزمان الإحسان قبل زمان الشكر، فأعملت شكرت فى زمان لم يقع الشكر فيه.
ومن شرط الظرف العامل فيه الفعل أن يكون ذلك الفعل واقعا فى ذلك الزمان كزرتك فى يوم الجمعة وجلست عندك يوم السبت، لكنه لما تجاور الزمانان وتقاربا جاز عمل الفعل فى زمان لم يقع فيه لكنه قريب منه. وقد مرّ بنا هذا الحكم فى المواضع أيضا. قال زياد بن منقذ: