ووضع الندى فى موضع السيف بالمعلا … مضر كوضع السيف فى موضع الندى
فقال: وهذا أحسن! والله لقد أطلت يا أبا الفتح، فأخبرنا من القائل؟ فقال: هو الذى لا يزال الشيخ يستثقله، ويستقبح زيه وفعله. وما علينا من القشور إذا استقام اللب!.
قال أبو علىّ: أظنك تعنى المتنبى. قال: نعم».
ومن دلائل عناية ابن جنى بالمتنبى أنه أخذ شيئا من أخباره عن على بن حمزة البصرى، لأن المتنبى لما ورد بغداد نزل عليه وكان ضيفه إلى أن رحل عنها. كما ذكره ياقوت فى ترجمة على بن حمزة.
***
جلالته والثناء عليه
بلغ أبو الفتح فى علوم العربية من الجلالة والخطر ما لم يبلغه إلا القليل. وقد سلف لك قول المتنبى فيه، وقد كان المتنبى ذا قدم مكينة وبصر نافذ وإحاطة تامة بالعربية.
وقد أصبح ابن جنى فى مجرى القرون بعده مضرب المثل فى معرفة النحو والتبريز فيه.
يقول العماد فى حديثه عن الحسن بن صافى المعروف بملك النحاة: «وكان يقول: هل سيبويه إلا من رعيتى، ولو عاش ابن جنى لم يسعه إلا حمل غاشيتى».
ويقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فى الشيخ عبد الكريم سلمان: «وجعلته منى مكان النحو من ابن جنى».
ويقول ابن فضل الله العمرى فى مسالك الأبصار: «لم ير مثله فى توجيه المعانى، وشد بيوت القصائد الوثيقة المبانى».
ويقول ابن ماكولا: «وكان نحويا حاذقا مجودا».
ويقول الثعالبى فى اليتيمة: «هو القطب فى لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة فى الأدب».
وقد يبدو للباحث أن ابن جنى لم يبلغ فى حياته من المكانة العلمية ما يستحقه، ولم يدرك ما أدركه بعد النبالة ونباهة الذكر. وقد يطل له هذا المعنى من قول المتنبى فيه: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس.
وقد يطيب له أن يحتج لهذا الرأى بأنه لا يرجع إلى عراقة أصل، ولا يئول إلى شرف محتد، وبأن العصر كان مشحونا بأفاضل العلماء، وجلة الفهماء، فكان يجرى فى مضمارهم بمقدار.
ولكن التوسع فى دراسة ابن جنى قد يصرف عن هذا الرأى، وقد يئول بصاحبه إلى أن الرجل أوتى حظا من الشهرة العلمية فى حياته، ورزق من القبول ما هو أهله. ألسنا نراه يخلف أستاذه أبا على فى التدريس فى بغداد بعد وفاته، ويدين له بالتتلمذ. ومنهم أئمة عظام كعبد السلام البصرى، والسمسمى.