على يستحسن قول الكسائى فى قول الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} (١): أى كثيرا، من قول الله: {أَمَرْنا مُتْرَفِيها،} ومن قولهم: أمر الشئ، إذا كثر. ومنه قولهم: خير المال سكّة مأبورة، أو مهرة مأمورة (٢). فالسّكة الطريقة من النخل، ومأبورة؛ أى: ملقحة، ومهرة مأمورة؛ أى: مكثرة النسل.
وكان يجب أن يقال: مؤمرة لأنه من آمرها الله، لكنه أتبعها قوله: مأبورة، كقولهم: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا. هذا على قول الجماعة إلا ابن الأعرابىّ وحده، فإنه قال: الغدايا جمع غديّة، كما أن العشايا جمع عشيّة. ولم يكن يرى أن الغدايا ملحق بقولهم: العشايا، وأنشد شاهدا لذلك:
ألا ليت حظّى من زيارة أمّيه … غديّات قيظ أو عشيّات أشتيه (٣)
وقد قالوا أيضا: أمرها الله مقصورا خفيفا، بوزن عمرها، فيكون مأمورة على هذا من هذا، ولا تكون ملحقة بمأبورة.
وأما «أمّرنا مترفيها» فقد يكون منقولا من أمر القوم؛ أى: كثروا، كعلم وعلّمته، وسلم وسلّمته.
وقد يكون منقولا من أمر الرجل: إذا صار أميرا، وأمر علينا فلان: إذا ولى. وإن شئت كان «أمّرنا» كثّرنا، وإن شئت كان من الأمر والإمارة.
فأما «أمرنا» فعلنا، بكسر الميم، فأخبرنا أبو إسحاق وإبراهيم بن أحمد القرميسينىّ عن أبى بكر محمد بن هارون الرويانىّ عن أبى حاتم قال: قال أبو زيد: يقال: أمر الله ماله وآمره. قال أبو حاتم: ورووا عن الحسن أن رجلا من المشركين قال للنبى صلّى الله عليه وسلّم: إنى أرى أمرك هذا حقيرا، فقال عليه السلام: إنه سيأمر (٤) أى ينتشر، قال: وقال أبو عمرو: معنى أمرنا مترفيها، أى: أمرناهم بالطاعة، فعصوا. وقال زهير:
والإثم من شرّ ما يصال به … والبرّ كالغيث نبته أمر
وأنشد أبو زيد، رويناه عنه وعن جماعة غيره:
(١) سورة الكهف الآية (٧١).
(٢) هو نص حديث أورده السيوطى فى الجامع الصغير ٤٩١/ ٣ ونصه: «خير مال المرء مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة»، أخرجه أحمد والطبرانى عن سويد بن هبيرة، ورمز إليه السيوطى بعلامة الصحة.
(٣) انظر: لسان العرب «غدا».
(٤) انظر: (النهاية فى غريب الحديث ٥١/ ١).