الراء، كقولهم: يردّ ويفرّ ويصبّ. ألا ترى أن الأصل يردد ويفرر ويصبب، فلمّا أسكن الأول ليدغمه نقل حركته إلى الساكن قبله؟.
وللقراء فى نحو هذا عادة: أن يعبّروا عن المخفّى بالمدغم؛ وذلك للطف ذلك عليهم. منه قولهم فى قول الله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (١): إنه أدغم نون «نَحْنُ» فى نون «نَزَّلْنَا» حتى كأنهم لم يسمعوا أن هذا ونحوه مما لا يجوز مع الانفصال، وأنه أمر يختص به المتصل. فاستدل صاحب الكتاب على أنه إخفاء بقولهم: اسم موسى وابن نوح، قال: فلو كان إدغام لوجب تحريك سين «اسم» وباء «ابن»، ولو تحركتا لإدغام ما بعدهما لسقطت ألف الوصل من أولهما، وهذا واضح.
وإذا جاز مثل هذا على قطرب مع تخصصه حتى جرى فى بعض ألفاظه-فالقراء بذلك أولى، وهم فيه أظهر عذرا. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وإنما هى «بورقكم»، بإخفاء كسرة القاف، كأنه يريد الإدغام تخفيفا ولا يبلغه.
وحكى أبو حاتم-فيما روينا عنه-أن ابن محيصن قرأ: «بورقكم» مدغمة (٢)، ولم يحك قراءة أبى رجاء بالإدغام، وهذا لا نظر فى جوازه.
***
(تزاور) (١٧)
ومن ذلك قراءة الجحدرى: «تزوارّ» (٣).
قال أبو الفتح: هذا افعالّ وتزاور تفاعل. وقلما جاءت افعالّ إلا فى الألوان، نحو: اسوادّ وابياضّ واحمارّ واصفارّ، أو العيوب الظاهرة، نحو: احولّ واحوالّ واعورّ واعوارّ واصيدّ واصيادّ. وقد جاءت افعالّ وافعلّ، وهى مقصورة من افعالّ-فى غير الألوان، قالوا: ارعوى وهو افعل، واقتوى أى: خدم، وساس. قال يزيد بن الحكم (٤):
(١) سورة الحجر الآية (٩).
(٢) وقراءة ابن كثير، وأبى عمرو (فى رواية). انظر: (الإتحاف ٢٨٩، السبعة ٣٨٩، الكشاف ٤٧٦/ ٢، الرازى ١٠٣/ ٢١، البحر المحيط ١١١/ ٦، التبيان ٢٠/ ٧، النحاس ٢٧٠/ ٢، العكبرى ٥٥/ ٢ الطبرى ١٤٨/ ١٥).
(٣) وقراءة ابن أبى عبلة، وأيوب السختيانى، وجابر، وأبى رجاء. انظر: (الفراء ١٣٦/ ٢، الطبرى ١٣٩/ ١٥ البحر المحيط ١٠٧/ ٦، التبيان ١٦/ ٧، العكبرى ٥٥/ ٢، النحاس ٢٦٦/ ٢، القرطبى ٣٦٦/ ١٠).
(٤) انظر: (الأمالى لأبى على القالى ٦٨/ ١، الخصائص ١٠٦/ ٢).