أى من أخلّفه بعدى. قوله: {مِنْ وَرائِي} حال متوقعة محكية، أى: خفّوا متوقّعا متصوّرا كونهم بعدى. ومثله مسأله الكتاب: مررت برجل معه صقر صائدا؛ أى: متصوّرا صيده به غدا، ومثله قول الله تعالى: {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} (١)؛ أى متصوّرا خلودهم فيها مدة دوام السموات والأرض. فإذ أشفقت من ذلك فارزقنى ولدا يخلفنى.
***
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (٦)
ومن ذلك قراءة علىّ بن أبى طالب وابن عباس عليهما السلام، وابن يعمر وأبى حرب بن أبى الأسود والحسن والجحدرى وقتادة وأبى نهيك وجعفر بن محمد: «يرثنى وارث من آل يعقوب» (٢).
قال أبو الفتح: هذا ضرب من العربية غريب، ومعناه التجريد؛ وذلك أنك تريد: فهب لى من لدنك وليّا يرثنى منه أو به وارث من آل يعقوب، وهو الوارث نفسه، فكأنه جرّد منه وارثا. ومثله قول الله تعالى: {لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ} (٣)، فهى نفسها دار الخلد، فكأنه جرّد من الدار دارا، وعليه قول الأخطل:
بنزوة لصّ بعد ما مرّ مصعب … بأشعث لا يفلى ولا هو يقمل
ومصعب نفسه هو الأشعث، فكأنه استخلص منه أشعث. ومثله قول الأعشى (٤):
. . . أم من … جاء منها بطائف الأهوال (٥)
وهى نفسها طائف الأهوال. وقد أفردنا لهذا الضرب من العربية بابا من كتاب
(١) سورة: هود الآيتان (١٠٧،١٠٨).
(٢) انظر: (البحر المحيط ١٧٤/ ٦، الكشاف ٥٠٣/ ٢، مجمع البيان ٣٨/ ٢).
(٣) سورة فصلت الآية (٢٨).
(٤) من قصيدة فى مدح الأسود بن المنذر اللخمى مطلعها: ما بكاء الكبير بالأطلال وسؤالى فهل ترد سؤالى انظر: (ديوانه ٢٤٤).
(٥) البيت بتمامه: لات منا ذكرى جبيرة أو من جاء منها بطائف الأهوال انظر: (ديوانه ٢٤٤). وجبيرة: اسم امرأة.