وظلمه وعصبه حقه.
والأمر عندى بخلاف ما ذهب إليه ابن درستويه فى كثير مما ألزمه إياه. وما كنت أراه بهذه المنزلة، ولقد كنت أعتقد فيه الترفع عنها. فإن كان من أصحابى، وقائلا بقول مشيخة البصريين فى غالب أمره، وكان أحمد بن يحيى كوفيا قلبا، فالحق أحق أن يتبع، أين حل وصقع».
وقد يرى فى النحو ما هو بغدادى. فتراه يثبت فى ألفاظ التوكيد التابعة لأجمع وأبتع وما تصرف منه، فيقول فى الخصائص ٨٣/ ١: «ووجه ما ذكرناه من ملالتها الإطالة-مع مجبئها بها للضرورة الداعية إليها-أنهم لما أكدوا فقالوا: أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون. . .».
ويقول الرضى فى شرح الكافية ٣٣٦/ ١: «وأما أكتع وأخواته، فالبصريون-على ما حكى الأندلسى عنهم-جعلوا النهاية أبصع ومتصرفاته، ولم يذكروا أبتع ومتصرفاته. . .
والبغدادية جعلوا النهاية أبتع وأخواته، فقالوا: أجمع أكتع أبصع أبتع».
ولا يقضى هذا الوفاق للبغداديين أن يكون ابن جنى بغداديا؛ فإن هذه مسألة ترجع إلى السماع، وقد صح عنده هذا، ولكنه باق على أصول البصريين، ولا يرضى لنفسه أن يكون بغداديا، فهو كثير النيل منهم والتصريح بخلافهم.
***
ابن جنى بين النحو والصرف
كان ابن جنى إماما فى النحو والصرف، وهو على إمامته فيهما فى النحو أمثل منه فى الصرف، كما يذكره الكاتبون لترجمته، وإن كان لا يعرف إلا بالنحوى، فالنحو-بالمعنى العام-ينتظم الصرف.
ومرد نبوغه فى الصرف وتفوقه فيه أن عجزه أمام أبى علىّ كان فى مسألة صرفية؛ كما سبق إيراده، فكان جدّه فى الصرف أكثر وأبلغ من جده فى النحو.
وقد يونس بتخلفه فى النحو، القصة التى يرويها صاحب نزهة الألباء فى ترجمة على ابن عيسى الربعى. وها هى ذى: «اجتمع الربعى وابن جنى يمشيان فى موضع، فاجتاز على باب خربة فرأى فيها كلبا-أى الربعىّ وكان مغرى بقتل الكلاب-فقال لابن جنى: قف على الباب، ودخل. فلما رآه الكلب يريد أن يقتله هرب وخرج، ولم يقدر ابن جنى على منعه.
فقال له الربعى: ويلك يا ابن جنى! مدبر فى النحو، ومدبر فى قتل الكلاب!».
ويذكر ابن عقيل فى شرحه للألفية فى مبحث الابتداء أن أبا الفتح سأله ولده عن إعراب بيت أبى نواس:
غير مأسوف على زمن … ينقضى بالهم والحزن