أى: لا أقول: همام فكأنه من بعد لا أهم بذلك، ولا بد من الحكاية أن تكون مقدرة. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لا اضرب، فتنفى «بلا» لفظ الأمر؛ لتنافى اجتماع الأمر والنهى. فالحكاية إذا مقدرة معتقدة.
فإن قال قائل: فأنت لا تقول: مساس فى معنى امسس، فيا ليت شعرى ما الذى بنيت؟ قيل: ليس هذا أول معتقد معتزم تقديرا، وإن لم يخرج إلى اللفظ استعمالا. ألا ترى إلى ملامح وليال فى قول سيبويه ومذاكير ومشابه: لا آحاد لها مستعملة، وإنما هى مرادة متصوّرة معتقدة، فكأن الواحد ملمحة ومشبه وليلاة ومذكار أو مذكير أو نحو ذلك، فكذلك «لا مساس»، جاء على أنه قد استعمل منه فى الأمر مساس فنفى على تصور الحكاية والقول وإن لم يأت به مسموع، ونظائره كثيرة، وكذلك القول فى «همام» من بيت الكميت.
***
{لَنْ تُخْلَفَهُ} (٩٧)
ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف: «لن نخلفه» (١) بالنون.
وقرأ: «لن يخلفه» أبو نهيك (٢).
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {لَنْ تُخْلَفَهُ} فمعناه: لن تصادفه مخلفا، كقول الأعشى:
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا (٣) …
وقد مضى هذا مستقصى.
وأما «نخلفه» بالنون فتقديره: لن نخلفك إياه؛ أى: لن ننقض منه ما عقدناه لك. وأما «يخلفه» أى لا يخلف الموعد الذى لك عندنا ما أنت عليه من محنتك فى الدنيا بأن يكون نقيضه ومزيلا لحكمه، بل تكون فى الآخرة كحالك فى الدنيا. كما قال سبحانه: {قالَ اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً} (٤)، وكقوله تعالى: {وَمَنْ كانَ فِي}
(١) وقراءة ابن مسعود. انظر: (البحر المحيط ٢٧٥/ ٦).
(٢) انظر: (البحر المحيط ٢٧٥/ ٦).
(٣) سبق الاستشهاد به فى (٧٤).
(٤) سورة الأعراف الآية (١٨).