{فَذلِكَ نَجْزِيهِ} (٢٩)
ومن ذلك قراءة أبى عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: «فذلك نجزيه» (١)، برفع الهاء والنون.
قال ابن مجاهد: لا أدرى ما ضمّ النون؟ لا يقال إلا جزيت، كما قال: {ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا} (٢).
قال أبو الفتح: هو لعمرى غريب عن الاستعمال، إلا أن له وجها أنا أذكره.
وذلك أنه يقال: أجزأنى الشئ: كفانى، وهذا يجزئنى من كذا؛ أى: يكفينى منه، فكأنه فى الأصل نجزئ به جهنم، أى: نكفيها به، ومعناه: نمكنها منه، فتأتى عليه، كأنها تطلب باستيفائها إياه الاكتفاء بذلك، ثم حذف حرف الجر، فصار نجزئه جهنم؛ أى: نطعمه جهنم، كما حذف الحرف فى قوله تعالى: {وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} (٣)؛ أى: من «قَوْمَهُ»، ثم أبدلت الهمزة من نجزئه ياء على حد أخطيت وقريت، فصارت ياء ساكنة: نجزيه، وأقرت الهاء على ضمتها وهو الأصل، كما قرأ أهل الحجاز: «فخسفنا بهو وبدار هو الأرض» (٤).
وزاد فى حسن الضمة هنا أن الأصل الهمز، والهاء مع الهمزة هنا مضمومة، أى: نجزئه، فلما أبدلت الهمزة على غير قياس صارت الهاء كأن لا ياء قبلها؛ لأنه ليس هناك مسّوغ للهمز لولا حمله على قريت وبابه، فبقيت الهاء على ضمتها تنبيها على أن الهمز ياء فى الحكم، وأن ما عرض فيه من البدل لم يكن عن قوىّ عذر، فهذا طريق الصنعة فيه، وهو أمثل من أن يحمل على إعطاء اليد فى بابه بما لا طريق إلى تسهيل طريقه.
***
{رَتْقاً} (٣٠)
ومن ذلك قراءة الحسن وعيسى الثقفى وأبى حيوة: «رتقا» (٥)، بفتح التاء.
قال أبو الفتح: قد كثر عنهم مجئ المصدر على فعل ساكن العين. واسم المفعول منه
(١) انظر: (البحر المحيط ٣٠٧/ ٦).
(٢) سورة سبأ الآية (١٧).
(٣) سورة الأعراف الآية (١٥٠).
(٤) سورة القصص الآية (٨١).
(٥) وقراءة أزد بن على. انظر: (القرطبى ٢٨٣/ ١١، الكشاف ٥٧٠/ ٢، البحر المحيط ٣٠٩/ ٦، مجمع البيان ٤٣/ ٧).