ليس عندنا على زيادة الباء، وإنما هو على شربت فى هذا الموضع ماء، فحذف المفعول. وما أكثر وأعذب وأعرب حذف المفعول وأدلّه على قوة الناطق به!.
***
{لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ} (٢١)
ومن ذلك قراءة أبى جعفر يزيد: «لعبرة تسقيكم» (١).
قال أبو الفتح: ليس قوله: «تسقيكم» صفة لعبرة كقولك: لعبرة ساقية. ألا ترى أنه ليست العبرة الساقية؟، وإنما هناك حضّ وبعث على الاعتبار بسقياها لنا أو بسقيا الله سبحانه إيانا منها فالوقف إذا على قوله: «لعبرة»، ثم استأنف تعالى تفسير العبرة، فقال: «تسقيكم» هى، أو «نسقيكم» نحن «مما ففى بطونها». وقوله: {وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ} أحد ما يدل على قوة شبه الظرف بالفعل. ألا تراه معطوفا على قوله: «نسقيكم»؟، والعطف نظير التثنية، والتثنية تقتضى تساوى حال الاسمين وتشابهما. ومثله فى ذلك قول الآخر أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب (٢):
زمان علىّ غراب غداف … فطيّره الشّيب عنّى فطارا (٣)
فعطف «طيّره» على «علىّ» وهو ظرف.
ومنه قوله تعالى: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} (٤)، فوجود معنى الشرط فى الظرف أقوى دليل على قوة شبهه بالفعل؛ لأن الشرط لا يصح إلاّ به. وسوّغ ذلك أيضا أنّ قوله: «تسقيكم مما فى بطونها» فى معنى قوله: لكم فى بطونها سقيا، ولكم فيها منافع.
***
(١) انظر: (الإتحاف ٣١٨، الكشاف ٢٩٩/ ٣، النشر ٣٠٤/ ٢، الرازى ٩٠/ ٢٣، العكبرى ٨١/ ٢).
(٢) هو أبو حية النميرى. وقبل البيت: زمان الصبا، ليت أيامنا رجعن لنا الصالحات القصارا وبعده: فلا يبعد الله ذاك الغراب وإن هو لم يبق إلا اذكارا
(٣) وقوله «وعلى غراب غداف»، أراد به الشباب والشعر الأسود. انظر: (الخصائص ١٠٨/ ١، كتاب الحيوان ٤٢٩/ ٣، أمالى المرتضى ١٠٠/ ٢، لسان العرب «غرب»).
(٤) سورة النحل الآية (٥٣).