والمشية، والإكلة: فجرت مجرى قولك: وفعلت فعلك الذى فعلت؛ وذلك لأن الفعل قد تعاقب الفعل، كقولهم: نشدته نشدا، وكذلك {صِبْغَةَ اللهِ} (*١) كقولك: صبغ الله. ومثله من غير المصادر: هذا صفو الشئ وصفوته، والبرك والبركة: الصدر، وله نظائر.
***
{خَطايانا أَنْ كُنّا} (٥١)
ومن ذلك قراءة أبان بن تغلب: «خطايانا إن كنّا»، بالكسر.
قال أبو الفتح: هذا كلام يعتاده المستظهر المدل بما عنده، يقول الرجل لصاحبه: أنا أحفظ عليك إن كنت وافيا، ولا يضيع لك جميل عندى إن كنت شاكرا، أى ابن هذا على هذا، فإن كنت تعلم أنى شاكر واف فلن يضيع لك عندى جميل، أى: فكما تعلم أن هذا معروف من حالى فثق بوفائى وزكاء صنيعك عندى، ومثله بيت الكتاب (١):
أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا … جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (٢)
فشرطه بذلك، وقد كان ووقع قبل ذلك.
ومثله ما أنشدناه أبو علىّ:
فإن تقتلونا يوم حرّة واقم … فلسنا على الإسلام أوّل من قتل
&
= سورة البقرة الآية (١٣٨).
(١) البيت للفرزدق من قصيدة قالها فى قتل قتيبة بن مسلم، وقتله وكيع بن حسان ومدح سليمان ابن عبد الملك وهجا قيسا وجريرا. انظر: (ديوانه ٣١١/ ٢، الكتاب ١٦١/ ٣، خزانة الأدب ٦٥٥/ ٣، همع الهوامع ١٩/ ٢، شرح شواهد المغنى ٣٢).
(٢) قتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلى القائد المشهور. حزّتا: قطعتا. وأما ابن خازم فهو عبد الله بن خازم السلمى، أمير خراسان من قبل ابن الزبير. وكان وكيع بن أبى سود التميمى قتل قتيبة الباهلى، وباهلة من قيس، وكانت تميم قتلت عبد الله بن خازم السلمى، وسليم من قيس أيضا. ففخر الفرزدق عليهم؛ وزعم أن قيسا غضبت لقتل قتيبة ولم تغضب لقتل ابن خازم. والشاهد فيه كسر «إن» وحملها على معنى الشرط لتقديمه الاسم على الفعل الماضى، ولو فتح «أن» لم يحسن لأنها موصولة بالفعل فيقبح فيها الفصل. ورد المبرد كسرها وألزم الفتح؛ لأن الكسر يوجب أن أذنى قتيبة لم تحزا بعد، والفرزدق لم يقل هذا إلا بعد قتله وحز أذنيه، وحجة سيبويه أن لفظ الشرط قد يقع لما هو فى معنى الماضى كما فى قوله: إن يقتلوك فقد هتكت حجابهم بعتيبة بن الحارث بن شهاب