{ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (٧٦)
ومن ذلك قراءة بديل بن ميسرة: «ما إنّ مفاتحه لينوء» (١)، بالياء.
قال أبو الفتح: ذهب فى التذكير إلى ذلك القدر والمبلغ، فلاحظ معنى الواحد فحمل عليه، فقال: «لينوء». ونحوه قول الراجز:
مثل الفراخ نتفت حواصله
أى: حواصل ذلك، أو حواصل ما ذكرنا. وأخبرنا شيخنا أبو علىّ قال: قال أبو عبيدة لرؤبة فى قوله (٢):
فيها خطوط من سواد وبلق … كأنّه فى الجلد توليع البهق
إن كنت أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن كنت أردت السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال رؤبة: أردت: كأن ذاك، ويلك! هذا مجموع الحكاية، وهى متلقّاة مقبولة، كما يجب فى «ذلك».
ولو قال قائل: إن الهاء فى «كأنه» عائدة على «البلق» وحده لكان مصيبا؛ لأن فى «البالق» ما يحتاج إليه من تشبيهه بالبهق، فلا ضرورة هناك إلى إدخال السواد معه. ونحو القراءة قول الآخر:
ألا إنّ جيرانى العشيّة رائح (٣) …
فأخبر عنه بلفظ الواحد؛ لأنه أجراه مجراه. وتجاوزوا هذا إلى أن أضافوا إلى لفظ الجماعة، فقالوا: أنصارىّ؛ لأنه جعل الأنصار جاريا مجرى الأب، أو الأم، أو البلد.
وقال الآخر:
مشوّه الخلق كلابىّ الخلق (٤) …
فنسب إلى جنس الكلاب، ولولا ذلك لقال: كلبىّ، وفى الأنصارى: ناصرىّ، كما تقول فى الإضافة إلى الفرائض: فرضى، وإلى السفائن: سفنىّ.
***
(١) انظر: (القرطبى ٣١٢/ ١٣، البحر المحيط ١٣٢/ ٧).
(٢) انظر: (ديوانه ١٠٤).
(٣) عجزه: «دعتهم دواع للهوى ومنادح». انظر: (الدرر اللوامع ٢٢٨/ ٢).
(٤) سبق الاستشهاد به.