وإن شئت لم تحمله على حذف المفعول لكن على أنه من قولهم: ثوب معلم، ومن قولهم: فارس معلم، أى: أعلم نفسه فى الحرب بما يعرف به من ثوب أو غيره، فكأنه قال: وليشهرنّ الذين صدقوا، وليشهرن الكاذبين، فيرجع إلى المعنى الأول، إلا أنه ليس على تقدير حذف المفعول.
وإن شئت كان على حذف المفعول الثانى لا الأول، كأنه قال: فليعلمنّ الله الصادقين ثواب صدقهم، والكاذبين عقاب كذبهم.
ومثل: «ليعلمنّ»، بفتح الياء واللام جميعا-قراءة من قرأ: «عرف بعضه وأعرض عن بعض» (١)، بتخفيف الراء من عرف، فأقام المعرفة مقام المعاتبة عنها. ومثل «وليعلمنّ»، بضم الياء، وكسر اللام-قراءة من قرأ: «عرّف بعضه»، بتشديد الراء.
وأعلمت فى القراءتين جميعا إذا لم تكن بمعنى أعلمت الثوب فهو بمعنى عرفت، وهى متعدية إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ؛} (*١) أى: عرفتم. وأما «ليعلمنّ» و «ليعلمنّ» فكأنه قال: فليكافئن، وليشهرن بما كافأ به على ما مضى من التفسير.
***
{وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (١٧)
ومن ذلك قراءة السّلمى وزيد بن على: «وتخلّقون إفكا».
وقرأ فضيل بن مرزوق وابن الزبير: «وتخلقون أفكا»، بفتح الهمزة، وكسر الفاء.
قال أبو الفتح: أما «تخلّقون» فعلى وزن تكذّبون، ومعناه. وأما «أفكا» فإما أن يكون مصدرا كالكذب والضحك، وإما أن يكون صفة لمصدر محذوف، أى: تكذبون كذبا أفكا، ثم حذف المصدر، وأقيمت صفته مقامه، كقولك: قمت مثل ما قام زيد، أى: قياما مثل قيام زيد. وأذهب فى الحذف-على هذا الحد-منه قول الله تعالى: {فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (٢) أى: شربا مثل شرب الهيم؛ لأنه حذف فيه مع الموصوف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. وأفك على هذا صفة، كبطر، وأشر. ويجوز أن يكون محذوفا من آفك، وهو اسم الفاعل من أفك يأفك إفكا: إذا كذب. وأفكته آفكه
(١) سورة التحريم الآية (٣). وهى قراءة الكسائى.
(*١) سورة البقرة الآية (٦٥).
(٢) سورة الواقعة الآية (٥٥).