فاليوم فاشرب، فكأنه قال لسيبويه: كذبت على العرب، ولم تسمع ما حكيت عنهم! وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرف فقد سقطت كلفة القول معه».
وكما فى الاحتجاج لقراءة عيسى بن عمر: «على تقوى من الله» بالتنوين، فقد روى أن سيبويه سئل عن وجه التنوين هنا، فقال: لا أدرى، ولا أعرفه.
وقال ابن جنى يبين الوجه: «وأما التنوين فإنه وإن كان غير مسموع إلا فى هذه القراءة، فإن قياسه أن تكون ألفه للإلحاق لا للتأنيث. . . وكان الأشبه بقدر سيبويه ألا يقف فى قياس ذلك، وألا يقول: لا أدرى. . . فأما أن يقول سيبويه: لم يقرأ بها أحد فجائز، يعنى فيما سمعه.
لكن لا عذر له فى أن يقول: لا أدرى».
ونقل عن شيخه أبى على الفارسى، فروى مما أنشده إياه من شواهد، وما أخذه عنه من أصول، وما انتهيا إليه من رأى فى المسائل التى دار بينهما فيها حوار ومساءلة، يعرض كل أولئك فى صراحة وأمانة، ثم يختم النقل ويعقب عليه بما قد يكون عنده من مزيد، فتراه مثلا يقول:
أنشدنا أبو على. . .، أو: حدثنى أبو على، أو: وهذا أخذناه عن أبى على. ثم يقول: هذا آخر الحكاية عن أبى على، وينتقل إلى إضافة ما يريد أن يضيف، مما يستقل به من رأى. فتراه مثلا يقول: «ينبغى أن يعلم ما أذكر»، أو: «وفيه عندى شئ لم يذكره أبو على ولا غيره من أصحابنا»، أو: «ووجه ذلك عندى ما أذكره». أو نحو ذلك مما يتردد كثيرا فى مواضع مختلفات من المحتسب.
ونقل عن الكسائى فأعجب به وأنكر عليه، ففى الاحتجاج لقراءة: «وما يخدعون إلا أنفسهم» بضم الياء وفتح الدال يقرر أنها جاءت «على خدعته نفسه؛ لما كان معناه معنى انتقصته نفسه أو تخونته نفسه.
ورأيت أبا على يذهب إلى استحسان مذهب الكسائى فى قوله:
إذا رضيت علىّ بنو قشير … لعمر الله أعجبنى رضاها
لأنه قال: عدى رضيت ب «على» كما يعدى نقيضها وهى سخطت به، وكان قياسه رضيت عنى، وإذا جاز أن يجرى الشئ مجرى نقيضه، فإجراؤه مجرى نظيره أسوغ، فهذا مذهب الكسائى وما أحسنه!.
وفى الحديث عن قراءة يعقوب: «ويك أنه لا يفلح الكافرون» بالوقف على «ويك» والابتداء ب «أنه» يقول بعد أن أورد بيت عنترة:
ولقد شفى نفسى وأبرأ سقمها … قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
وقال الكسائى فيما أظن: أراد ويلك، ثم حذف اللام. وهذا يحتاج إلى خبر نبىّ لقبل».
ونقل عن ابن مجاهد فوثق به فى النقل والرواية، وتعقبه فى اللغة بالإنكار والمخالفة، فيقول فى المقدمة عن كتابه فى الشواذ: «أثبت فى النفس من كثير من الشواذ المحكية عمن ليست له روايته ولا توفيقه ولا هدايته».