وقرأ: «بل مكر الليل والنهار» -قتادة (١).
قال أبو حاتم: وقرأ راشد الذى كان نظر فى مصاحف الحجاج: «بل مكرّ»، بالنصب (٢).
قال أبو الفتح: أما «المكرّ» والكرور: أى: اختلاف الأوقات، فمن رفعه فعلى وجهين:
أحدهما: بفعل مضمر دل عليه قوله: {أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ} (٣). فقالوا فى الجواب: بل صدّنا مكرّ الليل والنهار؛ أى: كرورهما.
والآخر: أن يكون مرفوعا بالابتداء، أى: مكرّ الليل النهار صدّنا.
فإن قيل: أفهذا تراجع عن قولهم لهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ} (٤)؟ قيل: لا، ليس بانصراف عن التظلم منهم؛ وذلك أنه وصله بقوله: {إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ} أى: فكرور الليل والنهار علينا-على إغوائكم إيانا-هو الذى أصارنا إلى النار. وهذا كقول الرجل لصاحبه: أهلكننى والله! فيقول: وكيف ذلك؟ فيقول: فى جوابه مضى أكثر النهار وأنت تضربنى، فيفسره بتقضى الزمان على إساءته إليه.
فإن شئت جعلت {إِذْ تَأْمُرُونَنا} متعلقة بنفس الكرور، أى: كرورهما فى هذا الوقت.
وإن شئت جعلته حالا من الكرور، أى: كرورهما كائنا فى هذا الوقت، فتجعل طرف النهار حالا من الحدث، كما تجعله خبرا عنه فى نحو قولك: قيامك يوم الجمعة؛ إذ كانت الحال ضربا من الخبر. ومثله من الحال قولك: عجبت من قيامك يوم الجمعة، تعلّق الظرف بمحذوف، أى: من قيامك كائنا فى يوم الجمعة.
وعلى نحو منه قراءة قتادة: «بل مكر الليل والنهار»، فالظرف هنا صفة للحدث، أى: مكر كائن فى الليل والنهار. وإن شئت علقتهما بنفس «مكر»، كقولك: عجبت
(١) وقراءة يحيى بن يعمر. انظر: (الكشاف ٢٩٠/ ٣، القرطبى ٣٠٣/ ١٤، البحر المحيط ٢٨٣/ ٧، وينظر مختصر شواذ القراءات ١٢٢).
(٢) وقراءة ابن جبير، وطلحة. انظر: (القرطبى ٣٠٣/ ١٤، البحر المحيط ٢٨٣/ ٧، العكبرى ١٠٧/ ٢).
(٣) سورة سبأ الآية (٣٢).
(٤) سورة سبأ الآية (٣١).