على العين بالواو، وما على القلب بالياء، من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب؛ لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدل عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه. ولهذا فى هذه اللغة من النظائر ما لو أودع كتابا لكبر حجما، وكثر وزنا. ومحصول الحال واسع وكثير، لكن المحصّل له نزر قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
***
{أَأَنْذَرْتَهُمْ} (١٠)
ومن ذلك قراءة ابن محيصن والزّهرى: «أنذرتهم» (١)، بهمزة واحدة على الخبر.
قال أبو الفتح: الذى ينبغى أن يعتقد فى هذا أن يكون أراد همزة الاستفهام كقراءة العامة: {أَأَنْذَرْتَهُمْ،} إلا أنه حذف الهمزة تخفيفا وهو يريدها، كما قال الكميت:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب … ولا لعبا منّى وذو الشّيب يلعب (٢)
قالوا: معناه: أو ذو الشيب يلعب؟ تناكرا لذلك، وتعجبا. وكبيت الكتاب:
لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا … شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
يريد: أشعيث بن سهم أم شعيث بن منقر؟.
ويدل على إرادة هذه القراءة الهمزة وأنها إنما حذفت لما ذكرنا بقاء «أم» بعدها، ولو أراد الخبر لقال: أو لم تنذرهم. فإن قيل: تكون «أم» هذه منقطعة، كقولهم: إنها لإبل أم شاء، قيل: إذا قدرت ذلك بقى قوله تعالى: {وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ} منقطعا لا ثانى له، وأقلّ ما يكون خبر سواء اثنان. فقد علمت بهذا أن قول ابن مجاهد على الخبر لا وجه له، اللهم إلا أن يتحمّل له، فيقال: أراد بلفظ الخبر وفيه من الصنعة ما تراه.
***
{أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} (١٩)
ومن ذلك قراءة الماجشون: «أن ذكّرتم» (٣)، بهمزة واحدة مفتوحة مقصورة، ولا
(١) انظر: (مجمع البيان ٤١٤/ ٨).
(٢) سبق الاستشهاد به.
(٣) وقراءة أبى مسلمة. انظر: (الكشاف ٣١٨/ ٣، القرطبى ١٧/ ١٥، البحر المحيط ٣٢٧/ ٧).