إلا أن ظاهر «يزفون» أن يكون من وزف، كيعدون من وعد. ويؤنّس بذلك قربه من لفظ الوفز، وهو واحد الأوفاز، من قولهم: أنا على أوفاز. وإذا كان كذلك فهو قريب من لفظ وزف، أى: أسرع، وقريب من معناه. ولم يثبت الكسائى ولا الفراء: «وزف»، إلا أن ظاهر اللفظ مقتض لها على ما مضى. وعلى أن أحمد بن يحيى قد أثبت وزف: إذا أسرع، وشاهده عنده هذه القراءة: «يزفون» أى: يسرعون.
***
{فَانْظُرْ ماذا تَرى} (١٠٢)
ومن ذلك قراءة الأعمش والضحاك: «فانظر ماذا ترى»، بضم التاء (١).
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب: «ماذا ترى»، و «ترى» بفتح الراء وكسرها.
فترى، أى: يلقى إليك، ويوقع فى خاطرك.
وأما ترى فتشير به، وتدعو إلى العمل بحسبه.
وترى هذه ليست من معنى الرؤية بالبصر؛ لأن الرأى ليس مما تدركه حاسّة البصر، ولا هى من معنى العلم أيضا؛ لأنه ليس يكلّفه هنا أن يقطع له بصريح الحق وجليّة اليقين، وإنما يسأله عما يحضره إياه رأيه، فهى إذا من قولك: ما رأيك فى هذا؟ وما الذى يحضرك فى كذا؟.
ومنه قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ} (٢)، أى: بما يحضرك إياه الرأى والخاطر. وفيه شاهد لجواز اجتهاد النبى صلّى الله عليه وسلّم. ومنه قولهم: فلان يرى رأى الخوارج، ويرى رأى أبى حنيفة، أى: يذهب مذهبه ويعتقد اعتقاده، ليس أنه يبصر بصره، ولا يعلم يقينا علمه، وإنما هو أن يعتقد رأيه، صوابا كان، أو خطأ.
***
{فَلَمّا أَسْلَما} (١٠٣)
ومن ذلك قراءة علىّ بن أبى طالب وابن عباس وابن مسعود ومجاهد والضحاك
(١) انظر: (الكشاف ٣٤٨/ ٣، البحر المحيط ٣٧٠/ ٧، مجمع البيان ٤٥١/ ٨).
(٢) سورة النساء الآية (١٠٥).