{لَمّا مَتاعُ} (٣٥)
ومن ذلك قراءة أبى رجاء: «لما متاع» (١).
قال أبو الفتح: ما هنا بمنزلة الذى، والعائد إليها من صلتها محذوف، وتقديره: وإن كل ذلك للّذى هو متاع الحياة الدنيا، فكأنه قال: وإن كل ذلك لما يتمتع به من أحوال الدنيا، فجاز حذف هذا الضمير على انفصاله جوازا قصدا لا مستحسنا، ومثله على توسطه قراءة من قرأ: «مثلا ما بعوضة» (٢)، أى: ما هو بعوضة، وقوله:
لم أر مثل الفتيان فى غبن ال … أيّام ينسون ما عواقبها
أى: ينسون الذى هو عواقبها. وقد ذكرناه بما فيه، إلا أن ابن مجاهد لم يذكر كيف إعراب «كلّ» فى هذه الآية؟ هل هو مرفوع أو منصوب؟ وينبغى أن يكون منصوبا؛ وذلك أنّ «إن» هذه مخففة من الثقيلة، ومتى خففت منها وأبطل نصبها لزمتها اللام فى آخر الكلام للفرق بينهما وبين إن النافية بمعنى ما، وذلك قولك: إن زيد لقائم، وقوله:
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما
أى: إنك قتلت مسلما، وهذا موضح فى بابه.
فلو كانت «كلّ» هنا رفعا لم يكن بدّ معها من اللام الفاصلة بين المخففة والنافية، ولا لام معك؛ لأن هذه الموجودة فى اللفظ إنما هى الجارة المكسورة، ولو جاءت معها لوجب أن تقول: وإن كلّ ذلك للما متاع الحياة الدنيا، كقولك: إن زيد لمن الكرام.
فإن قلت: إنه قد يجوز أن يكون أراد اللام الفاصلة، لكنها جفت مع اللام الجارة، فحذفت وصارت هذه الجارة فى اللفظ كالعوض منها.
قيل: فقد قال:
فلا والله لا يلفى لما بى … ولا للما بهم أبدا دواء
فجمع بين اللامين، وكلتاهما جارة. فإذا جاز الجمع بين الجارّتين، وهما بلفظ واحد، وعمل واحد-فجمع المفتوحة مع المكسورة العاملة أحرى بالجواز.
وبعد، فالحق أحق أن يتبع. هذا بيت لم يعرفه أصحابنا ولا رووه، والقياس من بعد
(١) وقراءة أبى حيوة. انظر: (الكشاف ٤٨٧/ ٣، القرطبى ٨٧/ ١٦، البحر المحيط ١٥/ ٨).
(٢) سورة البقرة الآية (٢٦)، وهى قراءة: الضحاك، وإبراهيم بن أبى عبلة، ورؤبة بن العجاج، وقطرب. انظر: (البحر المحيط ١٢٣/ ١ ومختصر شواذ القراءات ١٢).