قال أبو الفتح: هذا كقراءة عبد الله بن الزبير وأبان بن عثمان: «والظالمون أعدّ لهم عذابا أليما» (١)، وقد ذكرناه هناك.
***
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} (٣٠)
ومن ذلك ما رواه الأعمش عن مجاهد: «والأرض مع ذلك دحاها» (٢).
قال أبو الفتح: ليست هذه القراءة مخالفة المعنى لمعنى قراءة العامة: {بَعْدَ ذلِكَ}. لأنه ليس المعنى-والله أعلم-أن الأرض دحيت مع خلق السموات وفى وقته، وإنما اجتماعهما فى الخلق، لا أن زمان الفعلين واحد. وهذا كقولك: فلان كريم، فيقول السامع: وهو مع ذلك شجاع، أى: قد اجتمع له الوصفان، وليس غرضه فيه ترتيب الزمان.
***
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} (٣٦)
ومن ذلك قراءة عكرمة: «وبرّزت الجحيم لمن ترى»، بالتاء مفتوحة (٣).
قال أبو الفتح: إن شئت كانت التاء فى «ترى» للجحيم، أى: لمن تراه النار. وإن شئت كان خطابا للنبى صلّى الله عليه وسلّم؛ أى: لمن ترى يا محمد، أى: للناس، فأشار إلى البعض، وغرضه جنسه وجميعه، كما قال لبيد:
ولقد سئمت من الحياة وطولها … وسؤال هذا النّاس كيف لبيد؟ (٤)
فأشار إلى جنس الناس فى هذا المعنى، ونحن نعلم أنه ليس جميعه مشاهدا حاضر الزمان.
فإن قيل: فإن النبى صلّى الله عليه وسلّم كان بحضرته المؤمنون الذين قد شهد لكثير منهم بالجنة،
(١) سورة الإنسان الآية (٢١).
(٢) انظر: (مجمع البيان ٤٣٣/ ١٠).
(٣) وقراءة عائشة، وزيد بن على، ومالك بن دينار. انظر: (مختصر شواذ القراءات ١٦٨، البحر المحيط ٤٣٢/ ٨، مجمع البيان ٤٣٣/ ١٠، الكشاف ٢١٥/ ٤، الرازى ٥٠/ ٣١، القرطبى ٢٠٧/ ١٩).
(٤) سبق الاستشهاد به فى (٢٩١/ ١).