قال الإمام: افترقَ النّاسُ في الكلام في هذه الآية على أزيد من ثمانية أقوال:
الأولُ: قولُه: {حَافِظُوا} المحافظةُ هي المداومةُ على الشيءِ والمُواظَبَةُ عليه، وذلك بالتمادي على فِعْلِها والاحتراس عن تَضْيِعها أو تضييع بَغضِها.
نكتةٌ (١):
وبناء المسألة؛ أنّ "وس ط " في تركيب لسان العرب عبارة عن أحد معنيين: إمّا عن الغاية في الجيد (٢).
وأمّا عن معنى يكون ذا طرفين نِسْبتُهُ إلى الطّرفين من جهتيهما سواء، وذلك يكون بالعدد والزّمان والمكان.
فأمّا الصّبح، فهي وسط في الزّمان، فإنّها زاهقةٌ عن ظُلمة اللّيل، مشرفةٌ على ضوء النّهار. وهي أيضًا وسطٌ في العدد؛ لانّها اثنتان، وللعدد طرفان: واحدٌ وأربعة. وهي وسطٌ في الفضل لأنّها مشهودَةٌ ويشاركها العصر؛ لأنّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ صَلَّى البَرْدَينِ دخلَ الجَنَّةَ" (٣) وصلاة الصُّبح في أولها، وهي وسطٌ في الفضل؛ لأنّها أثقل الصّلوات على المنافقين، ولقوله: "لو يعلمونَ ما في العَتَمَة والصُّبْح" (٤) وتشاركها فيه الْعَتَمَة، ولأنّها وسط في الفضل أيضًا، إذ مصلَّيها في جماعة كأنّما قام ليله، وهي خصيصةٌ لها لا يشاركها فيه واحدةٌ من الصّلوات.
وأمّا الظُّهر، فهي وسطٌ في الزّمان؛ لأنّها نصف النّهار، ووسطٌ في الفَضْلِ؛ لأنّها أوّل صلاة صُلَّيت، كما تقدَّم ذِكْرُهُ.
وأمّا العصر، فإنّها وسط في الفضل، فإنّها مشهودة، وبأنّها في أحد البَرْدَين، ولقول النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهم" خرَّجَهُ البخاريّ (٥)، وحديث البخاريّ (٦): "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسطَى صَلاَة العَصْرِ" وهذا نَصٌ، وقد تَأَوَّلَهُ
(١) انظرها في القبس: ١/ ٣١٧ - ٣١٩.
(٢) في النسخ: "الحمد" والمثبت من القبس.
(٣) أخرجه البخاريّ (٥٧٤)؛ ومسلم (٦٣٥) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٤) أخرجه البخاريّ (٦١٥)؛ ومسلم (٤٣٧) من حديث أبي هريرة.
(٥) في صحيحه (٥٥٣) من حديث بُرَيدة.
(٦) الحديث (٢٩٣١) عن عليّ، بلفظ: "شغلونا عن الصّلاة الوسطى حتّى غابت الشّمس". أمّا لفظ المؤلِّف فهو في صحيح مسلم (٦٢٧).