فإن قيل: لو كانت مخبرة عن حالٍ ولم تستند من النَّبيِّ (٢) إلى مقالٍ، لما كان في ذلك فائدةٌ؛ لأنّ كلَّ أحدٍ كان يعلم ما ذَكَرَت، وهي كانت أَفْقَه من ذلك.
قلنا: رَوَى الدَّارقطنى (١)؛ أنّها - رضوان الله عليها - سافرت مع النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - فأتَمتْ، والنّبيُّ (٢) يقصرُ مع غيرها، وصَامَتْ والنّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - يفطر، وإنّما هذا كلّه تخريجٌ على أنّ المسافر هل يجوز له أنّ يصلِّي أربعًا أم لا؛ وهي مسألة خلافٍ مشهورةِ، والأدلّة فيها كثيرة، وعُمدَتُها: أنّ المسافر عندنا فَرْضُهُ التَّخيير بين الاثنين والأربع، إلَّا أنّ القَصْرَ له أفضل؛ لمواظبة النَّبيِّ -عليه السّلام- عليه، ولِفِعْلِ الصّحابة. وقد أتَمَّت عائشة في السَّفَر (٣)، وأتَمَّ عثمان في السَّفَر (٤).
وقد رَوَى أنس بن مالكٌ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - انه قال: "أَمَا عَلِمتَ أنَّ اللهَ وَضَعَ عن المسافِر الصَّوم وشَطرَ الصَّلاةِ،" (٥) فنَصَّ عليه السّلام على أنّ الأربع أَصْلٌ، وأن صلاةَ السَّفَر حطٌّ من الأصل. وهذا أَوْلَى من حديث عائشة؛ لأنّه لفظ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يحتمل تأويلًا، وحديثُ عائشة إخبارٌ منها، والله أعلم كيف تَلَقَّنَتْهُ؟ ومن أين تَلَقَّنَتْهُ؟ وهذا أيضًا يحتملُ التَّأويلَ.
والنكته القاطعة عليهم في حديث عائشه هي: أنّ الرّاوي إذا رَوَى بخلافِ ما يفعل، سَقَطَ كلامُهُ، ولا يُعُمَلُ بِفِعْلِهِ أصلًا.
التفسير الحسن والتّأويل القويّ في قوله:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} إلى قوله: {عَدُوًّا مُبِينًا} (٦)
(١) في سننه: ٢/ ٨٨ وقال: "إسناده حسن".
(٢) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٣) أخرجه البخاريّ (١٠٩٠)، ومسلم (٦٨٥).
(٤) أخرجه البخاريّ (١٠٨٢)، ومسلم (٦٩٤).
(٥) أخرجه أحمد: ٤/ ٣٤٧، ٥/ ٢٩، وعبد بن حميد (٤٣١)، وأبو داود (٢٤٠٨)، وابن ماجه (١٦٦٧)، والترمذي (٧١٥) وقال: "حديث أنس بن مالكٌ الكعبي حديث حسن، ولا نعرف لأنس بن مالكٌ هذا عن النّبيَّ غير هذا الحديث الواحد"، وابن خزيمة (٢٠٤٤).
(٦) النِّساء: ١٠١.