المسألة الثّانية: في هيئة السُّتْرَةِ
فقال قوم: تكون في طُولِ الذِّراع، فإنّها بقَدْرِ الرَّحْلِ الوارد في الحديث. وأن تكون بغلظ الرُّمْحِ؛ لأنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يصلِّي إِليه، وقد تفطَّنَ مالك لهذا، فجَمَعَ بينهُمَا حين قال (١): السُّتْرَةُ قَدْر الذِّراع في جلَّة الرُّمْحِ، فإذا وضعها بين يَدَيْهِ فلا يجعلها قِبْلَةَ وَجْهِهِ، لحديثِ المِقْدَادِ، قال: ما رأيتُ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - صلَّى إلى عَمُودٍ أو شيءٍ يَصْمُدُ إليه صَمْدًا، إنّما كان يجعلُ ذلك عن يمينه ويساره (٢).
وليجعل بينَهُ وبين سُتْرَيهِ من المسافة (٣) بمقدار ما يحتاج إليه لسُجُودِهِ، ولا يتأخّر عنها تاَخُّرًا كثيرًا, ولا يتقدّم إليها تَقَدُّمًا كبيرًا، حتّى إذا أراد أنّ يسجد تَأخَّرَ عنها؛ لأنّ ذلك عملٌ في الصّلاة.
وقد رأيتُ بعض الغافلين ممّن ينتصبُ للتَّعليم يفعلُ ذلك، وهي جَهَالَةٌ، فإذا تركها خالية بمقدار السُّجود، فأراد ماشٍ أنّ يمرَّ بينَهُ وبينها فَلْيَمْنَعْهُ. كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يصلِّي، فارادت شاة أنّ تمرَّ بينه وبين السُّتْرَةِ، فَدَرَأَها حتَّى أَلْصَقَ بالحائط، فمرَّت من ورائه (٤). وكذلك يُفْعَلُ بِكُلِّ مريدٍ أنّ يدافعَهُ ويشير إليه، كذلك قال أشهب عن مالك.
المسألةُ الثّالثة:
قال: لم يحدّ مالكٌ في ذلك حَدًّا.
وقال غيره: يجعل بينه وبين القِبْلَةِ ستَّة أَذْرُعٍ، وهذه جَهَالَةٌ.
وقال الآخر نحوه، وهي فرجة.
وقال مالكٌ: يُجزِئه غلظ السَّوْطِ والرُّمحِ والعَصَى، وارتفاع ذلك قَدْر عَظْمِ الذِّراع.
ولا تفسد صلاة من صلَّى إلى غير سُتْرَةٍ، وإن كان مكروهًا له، وهو قولُ
(١) في المدؤنة: ١/ ١٠٨ في سترة الإمام في الصّلاة.
(٢) أخرجه أبو داود (٦٩٣)، ومن طريقه البيهقي ٢/ ٢٧١. وانظر نصب الراية: ٢/ ٨٣، والدراية: ١/ ١٨١
(٣) م: "المُصَلَّى" وانظر نحو هذه المسألة الثّانية في القبس: ٥/ ٦٦٨ (ط. هجر).
(٤) أخرجه من حديث ابن عبّاس ابن خُزَيْمَة (٨٢٧)، وابن حبّان (٢٣٧١)، والحاكم: ١/ ٣٨٥ (ط. غطا) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه".