وقد يراد به القراءة الحادثة، كما أنّها تُوصَفُ بأنّها كلامه، قال الله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (١).
والثّاني: أنّها دلالة على كلامه الموجود بذاته؛ لأنّه ذكر له على ضرب من التّفصيل، والدَّالُ دالٌّ على المَذْكُورِ وليس إياهُ، على ما قدَّمناه.
المسألة الثّالثة:
قوله: "على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" والحروفُ هاهنا هي القراءة بالأصوات، وهي ضدّ كلام البارئ سبحانه؛ لأنّ البارئ كلامه القديم الّذي هو صفةٌ من صفاتِهِ لا تُفَارِقُه، ليس هو بصَوْتٍ ولا حَرْفٍ. وقوله (٢): "فَاقرَؤُا مَا تيَسَّرَ مِنْه" أضاف القراءة والتِّلاوةَ للتّالِي؛ لأنّها صفة للتّالي موجودٌ بذَاتِه، والمَتْلُوُّ صفةٌ للبارىء تعالى موجودٌ بذَاتِهِ، ولا يصحّ وجود الصِّفَةِ الموجودة بمَوْصُوفَيْن، كما لا يصحّ وجود الخَبَرِ في الزّمان الوَاحِدِ في مكانَين.
والثّاني: أنّ (٣) التِّلاوةَ حادثةٌ؛ لأنّها أصوات مُتَجَدِّدَةٌ، والمَتْلُوَّ قديمٌ يستحيلُ تجديدُهُ.
والثّالث: أنّ التِّلاوةَ تُعْدَمُ بسكوتِ التّالِينَ وعَدَمِهِمْ، والمَتْلُوَّ قديمٌ قد ثبتَ قِدَمُهُ فيستحيلُ عَدَمُه.
والرّابع: أنّ التِّلاوةَ تزيدُ بزيادةِ القُرَّاءِ وتنقصُ بنقصانِهِمْ، والمَتْلُوَّ صِفَةٌ واحدةٌ لا يصح فيها زيادة ولا نقصان.
الخامس: أنّ التِّلاوةَ ترجعُ إلى الأصوات -أعني أصوات القُرَّاءِ أو نَغَمَاتِهِم الّتي تقعُ بكَسْبِهِم، ويسَتطَابُ من بعضهم- وتُوصف بالجَهْرِ والإخْفَاءِ والسُّرعَةِ والابْطَاءِ، واللَّحْنِ والإعراب، والخَطَإِ والصَّواب. والمَتْلُوَ لا يُنْعَتُ بشيءِ من ذلك كلِّه.
السّادس: أنّ المَتْلُوَّ الموجود بذَاتِه لو صحَّ وجوده بذَوَاتِ خَلْقِه، لوَجَبَ القولُ بانتقاله، وذلك يُؤَدِّي إلى نوعِ من المُحَالِ وأجناسٍ من الكُفْرِ والضَّلال:
أحدها: خُلُوُّ ذَاتِه من الكلام إلى ضِدِّه.
(١) التوبة: ٦.
(٢) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطّأ (٥٤٠) رواية يحيي.
(٣) جـ: "لأنّ".