وأن الخلفاء أيضًا عملوا بذلك، فكبّر أيضًا على أبي بكرٍ الصِّديق أربع تكبيراتٍ، وعلى عمر كذلك، واستمرَّ العملُ على ذلك، والشِّيعةُ تُكَبِّرُ على الجنازةِ خمسًا.
واختلفَ العلّماءُ في إمام كَبَّرَ على جنازة خمسًا؟
فقال ابنُ القاسم وابنُ وهب عن مالك: إنَّه لا يُكَبّر معه الخامسة، ولكنّه لا يُسَلِّم إلَّا بسَلاَمِه (١).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا كبّر الإمام خمسًا قطع المأموم بعد الرّابعة بسلام ولم ينتظر تسليمه (٢).
وقال أحمد وأهل الحديث: انه يكبّر معه خمسًا وسبعًا إنْ كبّر، لقوله: "لَا تَخْتَلِفُوا عَلَيهِ" (٣) ولقوله: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبَّرُوا" (٤) وهذه من المحدِّثة وَهلَةٌ لا مردَّ لها.
المسألة التّاسعة:
اختلف العلّماء في الّذي يفوته بعض التّكبير على الجنازة، هل يحرم في حين دخوله، أو ينتظر الإمام حتّى يدعو يكبِّر فَيُكبِّر بتكْبِيرِهِ، فإذا سَلَّم الإمامُ قَضَى ما عليه، ورواهُ ابنُ القاسم عن مالك.
واحتج من قال ذلك (٥) بقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "ما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، ومَا فَاتكُمْ فَاقْضُوا" (٦).
وأجمع العلّماءُ بالعراق والحجاز في قَضَاءِ التَّكبِيرِ دون الدُّعاء (٧)، وهو الصّواب.
(١) أورد الإمام الباجي هذه الرِّواية في المنتقي: ٢/ ١٢ وذكر أنّها من رواية ابن الماجشون عن مالك، وممن قال بها أيضًا أشهب ومطرف، ووجه هذه الرِّواية: أنّ هذا أمر كثر فيه الخلاف ببن أهل العلّم، ولا تفسد الصّلاة إذا كان الإمام من أهل الدِّين والسُّنَّة، والخطأ إنّما هو منه في زيادة التكبير فلا يتبعه فيها، وزيادة القيام في الصّلاة لا يمنع منه، ولا يمنع صحة الصّلاة، فيقوم حتّى يسلّم بسلامه، وأمّا إن كان الإمام من أهل البدع فلا يصلّى معه ولا يُقْتَدَى به كبّر أربعًا أو خمسًا.
(٢) انظر مختصر اختلاف العلّماء: ١/ ٣٨٩، والمبسوط: ٢/ ٦٤.
(٣) أخرجه البخاريّ (٧٣٤)، ومسلم (٤١٤) من حديث أبي هريرة.
(٤) هو جزء من الحديث السابق.
(٥) أي قال بالانتظار حتّى تكبير الإمام.
(٦) أخرجه البخاريّ (٦٣٦)، ومسلم (٦٠٢) من حديث أبي هريرة.
(٧) وذلك لأنّ هذه التكبيرات بمنزلة الركعات الّتي هي أركان الصّلاة، وقد ثبت أنّ من فاته ركن مع الإمام قضاهُ، فكذلك ههنا.