المسألة السّادسة (١):
أمّا أمّه، فإنّه يُصَلَّى عليها أيضًا، غير أنّه يستحبُّ أنّ يجتنبَ الصّلاة عليها أهل الفَضل والعِلْم، وقد ذكرنا أنّ النقائص المانعة من الصّلاة على المِّيت عامّة وخاصّةٌ، وقد تقدَّم الكلام في العامَّةِ (٢)، وبقيَ الكلامُ في الخاصَّةِ، وهو كلّ نَقْصٍ لا يخرجُ عن الإيمان، كأهل الكبائر وأهل البِدَعِ (٣)، فإنّه يُكْرَهُ للإمام العالِم وأهل الفضل الصَّلاة عليهم، ليكون ذلك رَدعًا وزَجرًا لغيرهم.
والأصل في ذلك الحديث المروي، عن جابر بن سَمُرَة، عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه أتي برَجُلٍ قَتلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ (٤)، فلم يُصَلِّ عليه (٥).
المسألة السابعة (٦):
قال علماؤنا (٧): هذا إذا لم يؤدِّ ذلك إلى إبطال الصَّلاةِ عليه جملةً، فإنْ خِيفَ ذلك صَّلُّوا عليه؛ لأنَّ فَرْضَ الصّلاة لازمٌ لا يُسقِطه كبائرهم ما تَمَسَّكُوا بالإسلام.
وكذلك المقتول في الفِئَةِ الباغية، يغسَّلُ ويُصَلَّى عليه، خلافًا لأبي حنيفة (٨)؛ لأنّه مسلم لم تمنعه معصيته من وجوب الصّلاة عليه، كالزّاني المُحصَن (٩).
المسألة الثامنة: الصّلاة على المحدود
قال ابنُ عبد الحَكَم: إذا جلد الإمام رجلًا فمات، فلا يخلو أنّ يكون الحدّ الأكبر أو الأصغر، فإنْ مات من الأكبر، فإنّ الإمام يصلِّي عليه، واحتجَ بحديثِ
(١) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢٠ - ٢١.
(٢) تقدّم للباجي في المنتقى: ٢/ ١١ أنّ تكلم في هذه المسألة حيث قال: "فالمنع من الصّلاة على الميِّت يكون على ضربين عامّ وخاصّ، فأمّا العام فلمعنى في الميّت، ويكون على معنيين: فضيلة في الميِّت، ونقيصة، فأما الفضيلة فإنّها الشّهادة في سبيل الله تسقط فرض الغسل والصلاة ... وأمّا النقص فالكفر وعدم الاستهلال الّذي السقط".
(٣) زاد في المنتقى: "المستمسكين بالإيمان".
(٤) المِشْقَصُ: السَّهمُ ذو النَّصل العريض.
(٥) أخَرجه مسلم (٩٧٨).
(٦) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢١.
(٧) المقصود هو الإمام الباجي.
(٨) انظر كتاب الأصل: ١/ ٤٠٦، ومختصر اختلاف العلّماء: ١/ ٣٩٩.
(٩) والأصل في ذلك -كما ذكر الباجي- ما روي أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان إذا أتي بميت عليه دَيْن لم يترك وفاءً له لم يصلّ عليه وقال: صلوا على صاحبكم.