وقال محمّد بن مُنَاذِر في ذلك أيضًا نظمًا (١):
إنَّمَا أَنْفُسُنَا عَارِيَةٌ ... والعواري قَصْرُها أنّ تُسْتَرَدْ
نحنُ للآفاتِ أغراضٌ فإن ... أَخْطَأَتْنَا فَلَنَا الموتُ رَصَدْ
الفائدةُ الثّانية (٢): في التّعازي
وهذا بابٌ لا يُحَاطٌ به لِكَثرَةِ أقوال النّاس فيه، وخيرُ القولِ قليلٌ صادفَ قَبُولًا فنفعَ، ومن أحسن ما جاء في هذا المعنى ما عَزَّى به عمرُو بن عُبَيْد سهمَ بن عبد الحميد في (٣) ابنٍ له هلك، فقال: إِنَّ أبَاكَ كَانَ أَضْلَكَ، وَإنَّ ابْنَكَ كَانَ فَرعَكَ، فَإِن امرءًا ذَهَبَ ذَهَبَ أَصلُهُ وَفَرعُهُ، لَحَرِيٌ أنّ يقلَّ بَقَاؤُهُ (٤).
وكتب الحسنُ إلى عمر بن عبد العزيز: أمَّا بَعْدُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَإِنَّ طُولَ الْبَقَاءِ إِلَى فَنَاءٍ، فَخُذ مِن فَنَائِكَ الَّذِي لَا يَبْقَى، لِمَعَادِكَ (٥) الّذِي لا يَفْنَى، وَالسَّلاَم (٦).
الفائدةُ الثّالثة (٧):
قال علماؤنا (٨): التّعزية على ضربين:
أحدهما: أنّ يبلغَ الرَّجلُ عن الرَجُلُ إفراط حزن، فيعزِّيهِ على سبيلِ التَّذْكير والوَعْظِ، فلا نعلم خلافًا في جوازِ هذَا.
والثّاني: أنّ يقفَ وليّ (٩) الميِّت عند تسوية التّراب على القبر فيُعَزِّي فيه، وقد قال النَّخَعِي: إنّه مكروهٌ، ولكنّه مستعمل.
الفائدةُ الرّابعة:
فيه التنبيه على سَعَةِ عِلْمِ مالك، ومعرفته بالأخبار والآثار، والتَّحَدُّث عن بني
(١) أورده ابن عبد البرّ في بهجة المجالس: ٢/ ٣٧٧.
(٢) هذه الفائدةُ مقتبسة من الاستذكار: ٨/ ٣٤١.
(٣) جـ: "عن" وفي الاستذكار: "على".
(٤) أخرجه ابن ماكولا في تهذيبه: ٢٨٧، كما أورده ابن عبد البرّ في بهجة المجالس: ٢/ ٣٥١.
(٥) في الاستذكار: "لبقائك".
(٦) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء: ٥/ ٣١٧.
(٧) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢٩.
(٨) المقصود هو الإمام الباجي.
(٩) "ولي" سقطت من المنتقى، وهو سقط يحيل المعنى.