يشكلُ ولا يحتاجُ إلى تفسيرِ (١)، غير أنَّه يطابقه قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (٢).
نكتةٌ صوفية:
قالوا: فسادُ البَرِّ: فسادُ الأجساد، وفسادُ البحر: فسادُ الفؤاد، وفسادُ البَدَنِ: حِرْمانُ الطّاعة، وفسادُ القلب: نسيان قيام السّاعة. ففسادُ القلب والبَدَنِ: الاشتغالُ بالدُّنيا وحبّ السُّمعة والرِّيَاء. وفسادُ البدن: سوءُ العمل. وفسادُ القلب: طول الأمل.
حديث مَالِك (٣)، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمُرَّ بِجَنَازَتهِ: "ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيءٍ".
الإسناد (٤):
هكذا في "الموطّأ" مُرْسَلاَ مقطوعًا، لم يختلفوا في ذلك عن مالك، ويتّصل من وجوهٍ حِسَانِ صِحَاحٍ من حديث يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة، قالت: لَمَّا مَاتَ عُثمَان بن مَظْعُون، كَشَفَ النَّبِيُّ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَبَكَى بُكَاءَ طَوِيلًا، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى السَّرِيرِ قَالَ: "طُوبَى لَكَ يَا عُثْمَانُ، لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلْبَسْهَا" (٥).
ذِكْرُ الفوائد المنثورة في هذا الحديث:
ستّ فوائد:
الفائدةُ الأولى (٦):
قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيءٍ" ثناءٌ منه - صلّى الله عليه وسلم - على عثمان بن مَظْعُون وتَفْضيلٌ له، وكان واحد الفضلاء العُبَّاد الزّاهدين في الدُّنيا من أصحاب النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -،
(١) وهو الّذي ذهب إليه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٨/ ٤١١.
(٢) الروم: ٤١.
(٣) في الموطّأ (٦٤٩) رواية يحيى.
(٤) كلامه في الإسناد مقتبس من الاستذكار: ٨/ ٤١٢.
(٥) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٢١/ ٢٢٤، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٥/ ٤٨١.
(٦) هذه الفائدةُ مقتبسة من التمهيد: ٢١/ ٢٢٤ - ٢٢٥، والاستذكار: ٨/ ٤١٣.