وأمّا "الوقوف بعرفة"، فهو الحجّ، وفي الحديث الصّحيح: "الحَجُّ عَرَفَة" (١) يعني معظم (٢) الحجِّ ومقصوده.
بَيْدَ أنّ العلّماء بعد اتِّفاقهم على أنَّ عرفة رُكْنُ الحجِّ، اختلفوا في وقت الوقوف فيه.
فقالت جماعة: باللَّيل، منهم مالك.
وقالت جماعة: فرض الوقوف بالنّهار، منهم الشّافعيّ وأبو حنيفة.
وقالت طائفة: الوقوف لَيْلًا ونَهَارًا. واحتجوا في ذلك بأحاديث.
وأمّا "السّعي" فاختلفَ العلّماءُ فيه قديمًا وحديثًا.
فقال أبو حنيفة: يجزئ فيه الدَّم (٣)، ووقعت رواية عن مالكٌ في "العُتْبيَّة" وهي ساقِطَةٌ.
والسَّعْيُ رُكن عظيمٌ، وله في الحجِّ منزلة كريمة. والدّليلُ على ركنية: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (٤) الآية إلى آخرها، أنزلها اللهُ تعالى رَدًّا على من كان يمتنع (٥) من السَّعيِ.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٦) قلنا: لم يفهم هذه المسألة أحدٌ غير (٧) عائشة - رضي الله عنها - وكلامها معروفٌ في الحديث.
تفسيره:
أنَّه إذا قال الرَّجُل للآخر: لا جناح عليك أنّ تفعل كذا، فمقتضاه رفع الحَرَج في الفعل، ولم يكن في الشّريعة حرج في الطَّوَافِ بين الصَّفَا والمَرْوَة. وكيف يكون
(١) أخرجه الطيالسي (١٣٠٩)، والحميدي (٨٩٩)، وأحمد ٤/ ٣٠٩، وعبد بن حميد (٣١٠)، وأبو داود (١٩٤٩)، وابن ماجه (٣٠١٠)، والترمذي (٨٨٩) من حديث عبد الرّحمن بن يَعْمُر.
(٢) جـ: "معناه تعظيم".
(٣) انظر مختصر الطحاوي: ٦٤ - ٦٥، ومختصر اختلاف العلّماء: ٢/ ١٤٨، والمبسوط: ٤/ ١٥.
(٤) البقرة: ١٥٨.
(٥) جـ:"يمنع".
(٦) البقرة: ١٥٨.
(٧) في القبس: "فهم".