وقوله: "نَهى عَنْ كُلِّ مَا لَفَظَ البَحْرُ" وذلك على ضربين:
أحدهما: أنّ يلفظه حيًا.
والثّاني: أنّ يلفظه ميِّتًا.
فأمّا لفظه حيًّا، فإنّ مذهب مالك جواز أكله، وكذلك ما لفظه مَيَّتًا، سواء ماتَ بسببٍ أو بغير سببٍ، وقاله الشّافعيّ (١).
وقال أبو حنيفة (٢): لا تؤكل مَيْتَتُه إِلَّا ما ماتَ بسببٍ، مثل أنّ يؤخذ فيموتُ، أو يموت من شدَّة حرٍّ أو بردٍ، أو تقتله سمكة أُخرى، أو ينضب الماءُ عنه فيموت، أو يلفظه البحر حيًّا فيموت. وأمّا إنَّ مات حَتْفَ أَنفِهِ، ولفظه البحر ميِّتًا، فإنّه لا يُؤكَل.
ودليلُنا قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "الحِلُّ مَيتَتُهُ"
وأَيضًا: فإن الذّكاةِ إنّما تكونُ بِقَصْدِ قَاصِدٍ يصِحُّ منه القَصْدُ، ولا خلافَ أنّ ذلك لا يُعتبرُ في الحُوتِ، فوجبَ إِلَّا تعتبر فيه الذّكاة.
فهذا ثبت هذا، فإن الكلام فيه في فصلّين: أحدهما في بيان ما يجوز أَكْلُه بغيرِ ذكاةٍ، والثّاني: في بيان مالًا يجوز أكلُه إِلَّا بالذَّكاة.
الفصلُ الأوّل (٣)
فأمّا ما في الماء من حِيتَانِهِ ودوابِّه، فعلى ضربين:
١ - ضَربٌ لا تبقى حياته في غير الماء، فلا خلافَ في المذهب أنّه يجوز أكل ذلك بغير ذكاةٍ ولا سَبَبٍ.
(١) انظر: الأم: ٢/ ٢٥١، والحاوي الكبير: ١٥/ ٥٩.
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٢١٤.
(٣) هذا الفصل مقتبس من المنتقى: ٣/ ١٢٩.