به القَدَرُ، فلا يَذْهَلْ عمّا رُوِيّ في الصّحيح عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَحُسْنِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا، فَعَلَيكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يدَاكَ" رواهُ البخاريّ (١) وغيرُه (٢)، ويَشهَدُ لِصحَّتِه قولُه تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (٣).
فالمرادُ بالخطابِ بقوله: {وَأَنْكِحُوا}
قيل: هم الأزواج.
وقيل: هم الأولياء من قريب أو نسيب.
والصّحيحُ: أنّهم الأولياء؛ لأنّه قال: {وَأَنْكِحُوا} بالهمز، ولو أرادَ الأزواج لقال ذلك بغير همزٍ، وكانت الألف للوَصْل، وإن كان بالهَمْزِ في الأزواج له وَجْهٌ، فالظّاهر أولى، ولا يُعْدَلُ إلى غيره إِلَّا بدليلٍ.
وقال: {وَأَنْكِحُوا} لفظُه بصيغة الأمير، وقولُه: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (٤).
قيل: تقديرُها وأنْكِحُوا الأيامَى منكم والصَالحين من عبادكم وأَنْكِحُوا إماءَكُم، وتقديرها: وأنْكِحُوا الأيَامَى منكم والصَّالحين من عبادكم بعضكم من بعض.
وفيه وجهٌ ثانٍ -وهو الأظهر- أنّه أمرَ بإنكاح العبيد كما أمر بإنكاح الأيامى، وذلك بيد السَّادة في العبيد والإماء، كما هو في الأحرار بِيَدِ الأولياء، إِلَّا من مَلَكَ نفسَهُ وظهر أمرُه وبَدَا رُشدُه.
ولعلّمائنا النُّكْتَةُ العظمى: أنّ مالكيَّةَ العبدِ استغرقَتها مالكية السَّيِّد؛ ولذلك لا يتزوّجُ إِلَّا بإذنِهِ إجماعًا، والنِّكاحُ وبَابُهُ إنّما هو من بابِ المَصَالِح، ومصلحةُ العبدِ موكولةٌ إلى
(١) الحديث (٥٠٩٠) من حديث أبي هريرة.
(٢) كالإمام مسلم (١٤٦٦).
(٣) النّور: ٣٢، وانظر شرح الآية في أحكام القرآن: ٣/ ١٣٧٦ - ١٣٧٨.
(٤) النور: ٣٢.