خصَّصَه في عمومه، وحمَلَهُ على بعضِ مُحْتمَلاتِه حسَبَ ما فَسَّرَهُ مالك (١)، إذا رَكَنَا وتقاربا على الصّداق، وهما يحاولان العقدَ ويتناولانِه، أمران بديعان:
أمّا أحدُهما: فحديثُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ، قال لها النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إِذَا حَلَلْتِ فَلَا تُحْدِثِي شَيْئًا حَتَّى تُؤذِنيني"، فَلَمَّا حلَّت فاطمة بنت قيس جاءت إلَى رَسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم - فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَان وَأَبُو جَهْم بْنُ حُذَيفَةَ، فَقَالَ: "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعْ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَلَكِنِ انكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ" فَنَكَحَتهُ وَاغتَبَطَت بِهِ (٢).
وأمّا الثّاني: فما أشار إليه مالكٌ من قوله (٣): "وهذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاس" إشارةً إلى ما يقعُ بينهم من التَّقاطُع والشَّحْنَاءِ الّتي فيها فسادُ ذَاتِ البَيْنِ، فخصَّصَ مالكٌ هذا العمومَ وحملَهُ على بعض مُحْتَمَلَاتِهِ بالمصلحة، وهو أصلٌ تفرَّدَ به مالك على سائرِ العلماء.
فصل (٤)
وأصولُ الأحكامِ خمسةٌ: منها أربعةٌ متَّفَقٌ عليها من الأُمَّة: الكتابُ، والسُّنَّةُ، وإجماعُ الأُمَّةِ، والاسْتِبَاطُ والاجتهاد.
فهذه هي الأربعةُ، والمصلحةُ وهو الأصلُ الخامسُ الّذي انفردَ به مالك دُونَهُم، ولقد وُفِّقَ فيه من بَيْنِهِم، وقد بيّنَّا ذلك في "أصول الفقه".
اعتراض:
ما الفائدةُ أَن أدخلَ مالكٌ هذا الحديثَ، وبدأَ به في كتاب النِّكاح عن ابنِ عمر (٥)
(١) في الموطَّأ (١٤٩١) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٤٦٧)، وسويد (٣١٥).
(٢) أخرجه مالك في الموطَّأ (١٦٩٧) رواية يحيى، ومن طريق مالك: مسلم (١٤٨٠).
(٣) في الموطَّأ (١٤٩١) رواية يحيى.
(٤) انظره في القبس: ٢/ ٦٨٣.
(٥) الحديث (١٤٩٠) رواية يحيى.