قال مالكٌ: "وَذلك لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَليِّهَا".
قال الإمامُ: الحديثُ صحيحٌ، وفيه فِقْهٌ كثيرٌ وعلمٌ جليلٌ، أرْبَينا فيه على علمائنا، والحاضرُ الآنَ في الخاطرِ عَشْرُ مسائلَ:
المسألة الأولى (١):
هذه المسألة من أكبر مسألةٍ في الفقه، فقد اختلَفَ العلّماءُ فيها اختلافًا كثيرًا، لُبَابُهُ؛ أنّ أهلَ الكوفةِ قالوا: لا تُرَدُّ المرأةُ إِلَّا من عَيْبٍ يَمنعُ من تقديرِ الصَّدَاقِ.
وقال الشّافعيُّ (٢): يُرَدُّ النِّكاحُ بأربعة عيوبٍ: الْجُنونُ، والجُذَامُ، والبَرَصُ، وداءُ الفَرْجِ.
وأبو حنيفة قال: لا تُرَدُّ المرأةُ إِلَّا بما يَمْنَعُ الوطءَ لا غير (٣).
وعند مالك تُرَدُّ بالعيوبِ المذكورةِ، ودليلُه حديث عمر المتقدِّم.
وأبو حنيفة لا ينعقد عندَهُ الإجماع إِلَّا بهذا القَدْر، فأمّا إذا دخلَ بها عالمًا بما بها من العيوب، فالصَّداقُ كلُّه عليه قولٌ واحدٌ.
وإذا لم يعلم بهذه العيوب الّتي في المرأة، ففيه عند علمائنا ثلاث رواياتٍ:
أحدها: عليه صداق المِثْلِ.
والثّاني: ينظر، فإن كان صداقُها أكثر من صَدَاقِ المِثْلِ، فلها صَداق المِثْل، وإن كان صَدَاقُها أقلّ من صداق المِثْلِ، فلها صَداقُها.
والثّالث: أنّ فيها رُبُع دينارٍ.
قال القاضي - رضي الله عنه -: سمعت الفِهرِيّ يقولُ لإمام الحنفيَّة (٤): لا تُرَدُّ المرأةُ بالجُنونِ؛ لأنّه يُمْكِنُه الوطءُ وهي مقيَّدةٌ؛ أو في حالٍ لا يأخذُها الجنونُ، فقال له
(١) انظرها في القبس: ٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(٢) في الأم: ٥/ ٩١، وانظر مختصر خلافيات البيهقي: ٤/ ١٥٦.
(٣) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ٢٩٦.
(٤) الّذي في القبس: "سمعت الفهري يقول: سمعت القاضي أبا العباس مدرّس البصرة يقول، وقد قال له إمام الحنفية ... ".