المعنى، وهو عظيمٌ في هذا البابِ، وهو أنّ قاعدةَ النِّكاحِ تَمَهَّدت في الشَّريعة برُكنَين:
أحدهما: القصْدُ إلى التأبيد، إِلَّا أنّ يعْرضَ عارِضٌ من خوفِ التَّعدِّي في حُدودِ اللهِ.
والثّاني: أنّ يكون ذلك معقودًا لنفسه قُرْبَةً لربِّه وعِفَّةً لدينه.
فإذا عَقَدَهُ على غير هذين الرُّكنَينِ، فقد وَضَعَهُ في غيرِ مَوْضِعِهِ، فلم يكن نِكاحًا شرعيًّا، فوجبَ القضاءُ ببُطْلانهِ، وهذه قاعدةٌ لا تُزَعْزِعُها رياحُ الاعتِراضاتِ، ولا يتوجَّهُ لأحدٍ عليها سؤالٌ يَنْفَعُ، ولم يبقَ بعدَ هذا إِلَّا تفصيلُ تركيب الفُروع على هذه الأصولِ في صفَةِ الوَطء وَوُقوعِه، وخُلُوصِهِ في الحِلِّ أو تحريمه، وكمالِ الوطءِ أو نُقصانِه، ووقوع الاتّفاقِ عليه من الزَّوْجَين أو اختلافِهِمّا فيه، وكذلك بَيَّنَّاهُ في موضعه إنْ شاءَ الله.
باب ما لا يُجْمَعُ بينَه من النّساء
قال الإمام: الأصلُ في هذا الباب قولُه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية (١). فالمحرَّمُ (٢) منهُنّ أربعونَ قرآنًا وسُنَّةَ، منهنّ: أربعٌ وعِشرون تحريمُهُنَّ مُؤَبَّدٌ لازِمٌ، ومنهنّ: ستّ عَشْرَةَ تحريمُهُنّ لعارِضٍ.
فأمّا الأَرْبَعُ والعِشْرونَ فهُنَّ: الأمُّ (٣)، والبنتُ (٤)، والأُخْتُ (٥)، والعَمَّةُ (٦)،
(١) النِّساء: ٢٣، وانظر أحكام القرآن: ١/ ٣٧١ - ٣٨٠.
(٢) انظر هذا الكلام في القبس: ٢/ ٦٧٩ - ٦٨٠، وأحكام القرآن: ١/ ٣٨٥.
(٣) "الأمُّ: عبارة عن كلّ امرأة لها عليك ولادة، ويرتفع نَسَبُكَ إليها بالبنوّة، كانت منك على عمود الأَبِ أو على عمود الأمّ، وكذلك من فوقك". أحكام القرآن ١/ ٣٧٢، وانظر المعونة: ٢/ ٨١٢.
(٤) "البنَتُ: عبارة عن كلِّ امرأة لك عليها ولادةٌ تنتسبُ إليكَ بواسطةٍ أو بغير واسطة إذا كان مرجعها إليك". أحكام القرآن: ١/ ٣٧٢، وانظر المعونة: ٢/ ٨١٢.
(٥) "الأختُ: عبارة عن كلِّ امرأةٍ شاركتكَ في أصْلَيكَ: أبِيك وأمّك، ولا تحرم أخت الأخت إذا لم تكن لك أختًا". أحكام القرآن: ١/ ٣٧٢، وانظر المعونة: ٢/ ٨١٢.
(٦) "العمّةُ هي عبارة عن كلِّ امرأةٍ شاركت أباكَ ما علا في أَصْلَيْهِ". أحكام القرآن: ١/ ٣٧٢. وانظر المعونة: ٢/ ٨١٢ - ٨١٣.