ودليلُنا: قولُه - صلّى الله عليه وسلم -: "لَولا الأَيمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شأنٌ" (١).
وقوله للعَجْلاني: "قُنم فحالفها" و"قم فاحلف" (٢) ولدخول لفظ اليمين فيه، وهو قولُه: "بالله"، وقوله: "أشهد" تأكيدٌ، ولأن شهادتَه لا تقبل لنفسه فكيف يكون اللَّعان شهادة لنفسه؟ ولأنّ لِعَانَ الأَعمى صحيحٌ، مع أنّ شهادته عنده لا تجوز، ولعانُ الفاسقِ صحيحٌ، مع أنَّ شهادته بإجماع الأُمَّةِ لا تصحُّ، فهذا ثَبت أنّ المغلَّب فيه شهادة اليمين، فكذلك يجوزُ عندنا يمين كلّ زوجين حُرَّينِ أو عبدين، عدْلَيْنِ أو فاسقين، أَخرّسَيْنِ أو متكلّمين، خلافًا له.
المسألةُ الرّابعة (٣): القولُ في سَبَب اللَّعانِ
وذلك بأنّ يَقصِد نفْيَ النَّسبِ الباطل على نفسه، أو يقصد خَلْعَ الفراش الّذي تلَطَّخَ بغيره من بيته، وكلاهُما يَصِحُّ اللّعانُ فيه؛ لأنَّ الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (٤)، وقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (٥) يعني: ذوات الأزواج بغير بيِّنةٍ.
وقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية (٦)، يريد: يَشتُمُون، واستُعير له اسم الرَّمي لأنّه إذايةٌ بالقولِ، لذلك قيل له القَذْفُ، ولِمَا ثبت في الصّحيح عن ابنِ عبّاس؛ أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته بشرِيك بن السَّحماء قذفًا (٧)، وقال أبو كَبشَة (٨):
وَجُرْحُ اللِّسان كَجُرْحِ اليَدِ (٩)
(١) أخرجه أحمد: ١/ ٢٣٨، وأبو داود (٢٢٥٦ م)، وأبو يعلى (٢٧٤٠)، والبيهقي: ٧/ ٣٩٤، وابن عبد البرّ في التمهيد:١٥/ ٤٢. كلهم من حديث ابن عبّاس. ورواه البخاريّ (٤٧٤٧) عن ابن عبّاس أيضًا بلفظ: "لولا ما مضى من كتاب الله".
(٢) لم نجد هذه الألفاظ في حديث عُوَيْمر العجلاني.
(٣) انظر الفقرة الأولى في القبس: ٢/ ٧٤٧، والفقرة الثّانية في أحكام القرآن: ٣/ ١٣٣٢.
(٤) النور: ٦. وعلق المؤلِّف على الآية فقال: "يعني: يقذفونهنّ بالزِّنى، فبيَّن حُكمَهُم".
(٥) النور: ٤.
(٦) النور: ٤.
(٧) أخرجه البخاريّ (٤٧٤٧).
(٨) ذكره المؤلِّف بهذه الكنية في الأحكام: ٤/ ١٩٣٣، ونصّ عليها أيضًا صاحب بنية الطلب: ٤/ ٢٠٠٦.
(٩) هو لامرىء القيس في ديوانه: ١٨٥، ونسب لغيره، وانظر الخلاف في تحقيق نسبة البيت في سمط اللآلىء، للميمني: ١/ ٥٣٠ - ٥٣١.