المسألة الرّابعة والعشرون (١):
اعلموا أنّ العلّماءَ اختلفوا، هل اللَّعانُ عقوبةٌ أم لا؟ فقال أبو حنيفةَ وأهلُ العراق: إنّه عقوبةٌ، وربّما ظهر هذا ببادىء الرّأي لما فيه من هَوْل المُطَّلع، وقد قال النَّبيّ عليه السّلام: "أحدُكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ منكُما تائبٌ" (٢).
والصّحيحُ أنّه ليس بعقوبة، وإنّما هو خَلاصٌ من الدَّناءَةِ، كما بيَّناهُ. أمَّا إنَّ الكاذبَ منهما عاصٍ بِفُجُورِهِ، متعرِّضٌ للَعنَةِ الله وغَضَبِهِ، لكنّه غيرُ مُتَعيِّن عندنا؛ ولذلك قلنا: إنّه يبقى بعدالته بعد اللِّعان، وعلى مرتبته في الإسلام، ورَبُّك أعلمُ بباطنِ الحالِ وعاقبةِ الأَمر.
المسألة الخامسة والعشرون (٣):
قد بيَّنا أنّه ليس لها سُكنَى، ولا نفَقة، ولا مُتعَة؛ لأنّ الفُرْقَة قبلَ البناءِ وما تدَعيه من الوَطءِ لا يُوجِبُ لها تكميل الصّدَاق ولا السْكنَى مع إنكار الزَّوْجِ، كالنِّصف الثّاني من الصّداق (٤). وحَكَى ابنُ الجَلَّابِ (٥) أنّه ليس لها من الصّداق شيءٍ. ويحتمل أنّ يكون ذلك لأنّه فسخٌ، وإنّما يجب نصف الصّداق قبل البناء.
فصل (٦)
وقع في "مسلم" (٧) و"البخاريّ" (٨) أنّ رجلًا - قيل: إنّه سعد - فقال: يا رسول الله، إِنّ امرَأتِي زَنَت فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: "إِن جَاءَتْ بِهِ أَكْحَل أجعَدَ أَحمش السَّاقَيْنِ" وفي حديث آخر"إنْ جَاءَتْ بهِ جَعْدًا قططًا" (٩) قال الهروي (١٠): "الجعدُ في صفة الرِّجالِ يكون مَدْحًا ويكون ذَمًّا، فهذا كان مَدحًا فَلَهُ معنيان:
(١) انظرها في القبس: ٢/ ٧٤٩.
(٢) أخرجه البخاريّ (٤٧٤٧) من حديث ابن عبّاس، مطولًا، ومسلم (١٤٩٣) من حديث ابن عمر.
(٣) هذه المسألة -ما عدا السّطر الأخير- مقتبسة من المنتقى: ٤/ ٨٢.
(٤) الّذي يكون عادةً دَيْنًا في ذمِّة الزّوج.
(٥) لم نجده في المطبوع من التفريع، وقد عزاه إلى التفريع ابن رشد في المقدِّمات: ١/ ٦٣٨ وعلّق عليه بقوله: "وهو خلاف قول مالك في موطّئه، وخلاف ما في المدوّنة".
(٦) هذا الفصل مقتبس من المعلم للمازري: ٢/ ١٤٢ - ١٤٣.
(٧) الحديث (١٤٩٦) من رواية أنس
(٨) الحديث (٤٧٤٧) عن ابن عبّاس.
(٩) أخرجه عبد الرزّاق (١٢٤٤٤٥) من حديث ابن عبّاس، وانظر السنن الكبرى (٥٦٦٥).
(١٠) في الغريبين: ١/ ٣٥٢ - ٣٥٣.