ورَوى ابنُ حبيبٍ عن مُطَرِّف وابنِ المَاجِشُون وأَصبَغ: يُجزِىء في ذلك لفظ العدل والرِّضى (١).
وقال القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب البَاقِلّاني: كلُّ لفظٍ يعبَّرُ به عن العدلِ والرِّضَا أَجزَأَ، وإنّما اختير (٢) لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٣) وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (٤) (٥).
وقال ابنُ الجلّاب (٦): "ولا يقتصر على أحدهما حتّى يجتمعا".
فإذا ثبت الاعتبار بهذين اللفظين؛ فإنّه يجزئ أنّ يقول: أراهُ عَدلًا رِضَا عندي، وهر عندي عدلٌ رَضِيٌّ، وليس عليه أنّ يقول: هو عدلٌ رضِيٌّ عند الله، ولا أنّ يقول: أَرضَاه وليًّا (٧). ولا يُقبَلُ منه حتّى يقول: إنّه عدل رَضِيٌّ.
الفصل الخامس في تكرير التّزكية
رَوَى (٨) أشهب عن مالك في "المجموعة": أنّه يقبل بالتّزكية الأُولى، وليس النَّاس سواءٌ، فمنهم المشهورُ بالعدالة، ومنهم من يَغمِصُ منه النَّاس.
وقال ابن كنانة: أمّا غير المعروف فيُؤتَنَف فيه تعديلٌ ثانٍ، وأمّا المشهورُ بالعدالةِ
(١) انظر منتخب الأحكام لابن أبي زمنين: ١/ ١١١.
(٢) أي اختبر لفظ "العدل" و"الرِّضى".
(٣) الطّلاق: ٢.
(٤) البقرة: ٢٨٢.
(٥) انظر كتابُ التّلخيص للجويني: ٢/ ٣٦٣ وهو مختصر كتابُ التّقريب والإرشاد للباقلاني.
(٦) في التّفريع: ٢/ ٢٣٩.
(٧) الظّاهر أنّه وقع خلط وتداخل في ذكر الأقوال، ونرى من المستحسن أنّ نورد نصّ الباجي كما هو في المنتقى حتّى يتضح الأمر بإذن الله: " ... قال مُطَرِّف وابن الماجِشُون وابن عبد الحَكَم وأصبَغ: يجزئه أنّ يقول: أراهُ عدلًا رضي، وليس عليه أنّ يقول وأعلمه عدلًا رضى جائز الشّهادة، ولا يقبل منه إذا قال: لا أعلمه إِلَّا عدلًا رضى. قال سحنون: ولا يقبل".
(٨) من هنا إلى قوله: "ذلك إِلَّا خيرًا" مقتبس من المنتقي: ٥/ ١٩٦.