المسألة الثّانية (١): في صفة الحيازة وتمييزها ممّا ليس بحيازة
فأوّل ذلك أنّ الرَّهْنَ يلزم بمجرّد القول، خلافًا لأبي حنيفة (٢) والشّافعيُّ (٣) في قوليهما: لا يلزم إلّا بالقبض.
قال عبد الوهّاب (٤): والدّليل على ذلك، قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (٥) قال: قلنا: من الآية دليلان:
أحدهما: أنّه قال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فأثبتها رِهَانًا قبل القَبض.
والدّليل الآخر: قولُه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} هو أمر؛ لأنّه لو كان خَبَرًا لم يصحّ أنّ يوجد رهن غير مقبوض، ومن قولهم: إنَّ الرَّاهِن لو جُنَّ أو أُغمِيَ عليه ثمّ أفاقَ لصَحَّ، فثبت أنّه أمرٌ.
ومن جهة القياس: أنّه عَقد وثيقة كالكفاله.
فرع:
وهل يكون من شرط الحِيَازَة أنّ يقبض الرّهن الحائز أم لا؟
اختلف أصحابنا في ذلك: ففي "الموَازية" من رواية ابن القاسم عن مالك فيمنِ اكتَرَى دارًا أو عبدًا سنة، أو أخذ حائطًا مساقاة، ثمّ ارتهن شيئًا من ذلك قبل تمام السَّنَة، فلا يكون محوزًا للرَّهنِ؛ لأنّه محوز قبل ذلك بوجه آخر.
وفي "المجموعة" قال سحنون: ومذهب ابن القاسم: أنّه يجوز أنّ يرتَهِنَ ما بيده بإجارَةٍ أو مساقاةٍ ويكون ذلك حيازة للمُرتَهِن، كالذي يخدم العبد ثمّ يصَّدَّق به على
(١) هذه المسألة مع فروعها مقتبسة من المنتقى: ٥/ ٢٤٨ - ٢٤٩.
(٢) انظر مختصر الطحاوي: ٩٣، والمبسوط: ٢١/ ٦٨.
(٣) في الأم: ٧/ ٨، وانظر الحاوي: ٦/ ٨.
(٤) انظر نحوه في المعونة: ٢/ ١١٥٣.
(٥) البقرة: ٢٨٣.