وقد قال في "المجموعة": أمّا ما حُبِّسَ على قومٍ بأعيانهم دارًا أو زرعًا أو ثمرًا، فذلك بينهم سواء، للذكر مثل ما للأنثى.

وقال ابن القاسم في "الموّازية": من حَبَّسَ على مُعيَّنَينِ دون تعقيب، فإنّ حقَّ الغائب منهم ثابتٌ في السُّكنَى، وحاضرهم وغائبهم في ذلك سواء. قال محمّد: وفقيرهم وغنيّهم في ذلك سواءٌ.

وأمّا العُمرَى والحَبس على غير مُعَيَّنَينِ، ففي "المجموعة" عن مالك: أنّ من حَبَّسَ على قومٍ وأعقابهم، فإنّه يفضل أهل الحاجة والمؤنة والعيال والزّمانة بقَدرِ ما يراه من ولي ذلك.

ورَوَى محمّد عن عبد الملك: لا يفضل ذو الحاجة على الغنيّ في الحَبس إِلَّا أنّ يشترطَ في الحَبسِ.

ووجه الأوّل: أنّ معنَى الحَبس القُرْبَة، وإيثار ذوي الحاجة يقتضي القربة.

مسألة:

فأمّا الفقير، فهو الّذي له كفاية وربّما ضاقت به الحال بكثرة عياله. وأمّا ولد الغنيِّ لا مال له، فهو فقيرٌ، وإذا بلغ صحيحًا لم يلزم الأب الإنفاق عليه فهو من الفقراء.

وإذا تساوى (١) في الفقر والغِنَى، أُوثِرَ الأقرب، ويعطى الفضل من يليه. وإن كان الأَبْعَد (٢) غنيًّا أُوثِرَ الفقيرُ الأَبْعَد، ذكره ابن عبدوس في "المجموعة".

والذَّكَر والأنثى في الحبس سواء، وهو قول مالك (٣) إِلَّا أنّ يكون بشرطِ (٤).

(١) أهل الحبس.
(٢) ووجه ذلك: أنّه لمّا قصد المُحَبِّسُ بالحبس قرابته، كان للقريب تأثير في الإيثار، إِلَّا أنّ تأثير ذوي الفقر والحاجة أكثر؛ لأنّه مقصود الصدّقات والأحباس.
(٣) زاد الباجي: "وأصحابه"، وقول مالك هذا حكاه عنه ابن حبيب، نصّ على ذلك الباجي.
(٤) ووجه هذا القول: أنّ لفظ التّشريك يقتضي التسوية، ولذلك قال الله تعالى في الأخوة للأم: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وسَوَّى بين ذكورهم وإناثهم في ذلك الثُّلث.